الثلاثاء، 23 فبراير 2010

مفردات صماء

شق طريقه وسط غابة من وجوه اصابها الوجوم..القي بنظراته علي الملامح المحيطة بذلك الطريق الضيق..لم يكن يسيرا ان يقرا مفردات صماء..حاول ان ينقب عن ابتسامات شاردة هنا وهناك دون جدوي..اخرج منديله الورقي ليجفف العرق المتصبب من جبينه لكنه لم يعثر عليه..تنبعث الاصوات مخترقة الاذان لكنها تتعثر حين تصل اليه..يحاول الانصات لما يقال حوله عبثا..مازال يحمل لوحته واقلامه الملونه وروحه التي تاقت الي رسم ضحكة لها ملامح البراءة وطفولة الزهر وصفاء ماء السواقي التي اختفت مع اطلالة عصر جديد..اقترب من الخروج من عنق الزحام ليتلاقي مع ابواق السيارات الطائشة..اخترق سريعا طريقه للجهة الاخري دون اكتراث بما قد يصيبه...وصل الي المقهي الشعبي حيث رفاق جمعتهم الهموم وفرقتهم سبل العيش...امسك بريشته..وضع لوحته امامه..لم يساله عامل المقهي عما سيشرب فهم يعرف من تلقاء نفسه..وضع خطوطا عريضة واخري متطاولة ..ظلل ارضية اللوحه..بدت له الالوان مختلفة عما انتواه..اللون الاصفر امتدت ظلاله..حاول التخفيف منه..الالوان القاتمة تلقي بروح لم يقصدها..جرب ان تزداد الالوان الفاتحة..بدت اللوحة بلا ملامح...استند الي كرسيه ..سقطت اللوحة...ضحك عامل المقهي حين راه كذلك ..تمني لو رسم ضكاته قبل ان تختفي.

معبد الجنون

ادبرت اقبالا..غابت حضورا..غربت اشراقا..تكلمت صمتا..ضاقت اتساعا..ابتعدت قربا..شكواها تمائم..دموعها انهار لا تجف..همساتها ترانيم في معبد يسكنه الجنون..نظراتها مشتته..هذيانها مبعثر..لكنها مازالت ترقب الضوء في نهاية النفق

تساؤلات غبية

كيف تتحول الصداقة الي عناوين نقراها حينا ونتجاهلها احيانا كثيرة؟
كيف تتحول البساتين الخضراء في لحظة الي اشواك تقض مضاجعنا؟
كيف تنقلب ايات الثقة الي بوار يرتوي بماء الجحود؟
كيف ترتدي البراءة قناع الزيف لتسطر لنفسها تاريخا لم تكتبه وامجاد لم تصنعها؟
كيف تصير الايادي الممتدة بالبشر رماحا تغتالنا عندما ترحل؟
كيف تمنحني وساما وتنزعه مني متي شئت؟
كيف اشاطرك الفكر وانت تنزع مني اغلي ما املك:عقلي؟
كيف نتلاقي وانتي لا تري سوي نفسك؟
كيف اتقبل وردة اجتثثتها انت من حديقتي؟
كيف اتناول كئوس الجفاف من صحرائك؟
كيف تضيق كلما اتسعت رقعة الافق؟
كيف اراك؟ وانت لا تري الانفسك؟

مرافئ الحنين

رحلت بعيدا..امتطي جواد احلامه..هرول نحوها..شاطرها الغربة..شاطرته ما تبقي من اهات..نزع جدران الخوف من خلاياها..بادلته مرافئ الحنين..استحالت الكلمات صمتا..صار الصمت اشجارا..اورقت الاشجار ظلا..جلسا تحته سويا..نادمته رحيق الذكريات..عبق الامنيات..انين البعاد..لهفة الرجوع..امطرها بوابل الشوق الذي اشعلته جذوتها التي لا تعرف الانطفاء..نظرات هامسة..نبضات متزايدة..ابتسامات مشاكسة....عناق مقترب انامل ممتدة...
دقت ساعة الحائط..انه موعد المباراة!!!!!!

التلاشي

نظرت بشئ من الضجر الي مراتها..شعرت بكونها متامرة عليها كما فعل هو..تناست ان سنين العمر لم تتوقف طويلا عند تلك اللحظة وما تلاها..اعادت النظر اليها مرة اخري ..ودت لو انها عكست تلك الدموع المحتبسة والاهات المحترقة والقهر المتجهم في شرفات الصدر..تمنت لو عادت بها لايام الصبا...او لطفولتها المترامية البراءة..كانت سليلة اسرة عريقة..نعمت باسرة تتعاطي الصفاء وتعانق الود وتتشاطر الرؤي..لم تخلو حياتها حينذاك من البسمات المتبادلة في منزلها الهادئ..راته في زيارته لاخيها..انيقا..متناسقا..وجيها..بدا ثريا بعد عودته من الخارج..لمحت في عيونه الاعجاب وراي في نظراتها القبول..لم تكن الا ايام حتي كان الزواج..وعدها بالسفر معه الي اوربا حيث يعمل..لم تشا ان تشعره بمرارة غيبته..سافر..وحدة قاتلة..حمل موهن..شماتة صديقاتها..طالت غيبته..اتصالاته قليلة..ولادة متعسرة..عاد اليها بعد عام..تهيات للسفر معه كما وعدها..فوجئت بان عليها الانتظار لفترة قادمة..عادت الي وحدتها..حملها..انينها..تستجدي عودته..تستدني اقترابه..تنشد انفاسه..تستلهم ذراعيه كي تنفض غبار ما احاطها من اسي..في كل مرة يسافر فيها تزداد غيبته..يقل اتصاله..تتلاشي صورته شيئا فشيئا..سنوات طويلة مضت بين سفر وعودة..من العسير ان يتعرف الابناء علي ابيهم....اشفقت علي نفسها من الافتتان وعلي ابنائها من الضياع وعلي زوجها من ازدياد غربته وشقاءه هناك..هاتفته...صوت انثوي سمعته من قبل عندما عاد اليها المرة السابقه واخبرها بانها سكرتيرته في الشركة التي يعمل بها هناك..سالتها ان كان زوجها هناك..ضحكات ساخرة اخترقت اذنيها حين ردت الاخيرة:
كيف يكون له زوجة اخري وهو هنا من عشرين عاما؟

كن ولا تكن!!!

لا تخلو جلسته مع ابويه من توجيهات متتاليه..ارشادات متواصلة..نظرات عتاب لا تتوقف..افعل ولا تفعل
كن صادقا
لا تسرق
كن متسامحا
استخدم عقلك..حدد هدفك
كن صبورا
تكلم بصوت هادئ
لا تكثر من العبث...لا تبالغ في الضحك
لا تتلفظ بكلمات نابية
يدق الهاتف..امسك به..اشارة من ابيه توحي بابلاغه انه بالخارج..يضع السماعة....دخل الي غرفته..بعد قليل سياتي مدرسه الخصوصي..اعد بتجاهل اوراقه المبعثرة وكتابه الخالي من مرور قلمه الذي اخذه من حقيبة زميل فصله دون ان يدري ..لم يصب بدهشة حينما سمع شجار ابويه الذي يسمعه الجيران صباح مساء..كلاهما اطلق العنان بالسنة حداد..دق باب الشقة..لابد انه المعلم..استقبله بابتسامة فاترة.. بدا المعلم مكفهرا بعض الشئ ..قدم له الشاي..وضع امامه قيمة الحصة...تغيرت ملامحه بعض الشئ بعدما راي النقود..نظر المعلم اليه نظرة صارمه:
طمئني:هل حفظت ما اعطيته لك الحصة الماضية؟
شعر سامي بالارتباك..مازال صوت ابويه يخترق جدران غرفته..احس بالحرج....اشعل الاستاذ سيجارته..فجاة انقطعت الكهرباء...همس سامي في اذنه:
اتمني ان لا تخبرهم بعدم حفظي..اضاء شمعه..خرج المعلم سريعا..اطفا سيجارته تحت قدميه امام باب الشقه..التقطها سامي..مازال بها ما يمكنه اشعاله..انها مستوردة..عادت الكهرباء..فتح التلفزيون..مازال الحديث متواصل عن انجازات الوزارة الجديدة القديمة وعن خطط التنمية..تنقل منها لصراع الديكة عبر القنوات..مر علي الفتاوي ونقيضها..اصابه الملل...شاهد بعض الاغنيات التي كانت صورة بلا صوت..ربما احتاج لترجمة مصطلحاتها الجديدة...لقطات شبه عارية هنا وهناك ....اعلام واستعراضات عسكرية.... غط في النوم وفي يده الريموت...

خرائط الوهم

يراها في مخيلته..بين سطوره..في ذاكرته..يترسمها حينا..يترصدها حينا اخر..يتساءل عنها..يترقب وصولها..يستجدي مرور الايام ليراها كما كانت محلقة وهائمة ومرفرفة حولة...تتجدد صورتها كلما صادمته الايام المضربة عن الشموخ..يتعجلها كلما شعر بالاغتراب..يستدنيها كلما اوجعته الايدي العابثة بثنايا الفكر..هي وحدها القادرة علي فك رموز الموج الهادر والاعصار الكامن في ظل تجاهله من قبل نفوس تاباه وقلوب لا تتقبله..لم يكن كغيره من من احاطوا به..ظل طويلا لا يتوقف عن التجوال ما بين مراجع البحث والمعامل والورش الصغيرة..اصبح منزله ورشة صغيرة..استطاع في فترة قياسية ان يسجل عديد من براءات الاختراع..استغرق وقتا طويلا في الوصول لاشياء لم يبتكرها احد من قبل..كلما انتهي من جديد تتورم قدماه بين المكاتب تارة وفي الوزارات المختلفة تارة اخري..دائما ما كانت ابحاثه قيد الادراج وفوق مكاتب من لم تمحي اميتهم بعد..يعيد الكرة تلو الاخري..تتلقاه ابتسامات لا تشفي مرارته ولا تزيل دهشته..لم يستطع ان يحسب تعداد المكاتب التي حول اليها..والبيانات التي تطلبت توقيعات لا تنقطع..خيبات الامل تلاحق مسراه..العتمة تسكن جوفه..سخرية تنهش ما تبقي من جسد هزيل..منهزم امام اسرته التي انتظرته طويلا...كانت امانيه ان يفجر الاحلام في ارض تترفق به..ان يكسر عصا الموت المتوجس فيها..ان يروي ظما تراب لم يسقي الا من ماء اسن..ان يصنع شيئا لبلاد اسقطتها الخرائط وانكرها التاريخ..
لم يعد شئ يخالجه الان الا سواها..ها هي اقتربت علي مرمي البصر..اعد جواز سفره مسبقا..خطواته اليها متثاقله..دموعه متحجرة..حالة من دوار..لم يستطع النظر الي الخلف ..موعد اقلاعها اوشك..واتجهت طائرته الي نيورك

نوافذ مغلقة

لم تعرف الابجدية طريقها اليه..لا تعرف النقود المبيت في منزله منذ سنين..لكن ابتسامته لم تغادره يوما..حالة من الرضا تسكنه طوال الوقت..يخرج كل يوم باحثا عن رزق يفي بحاحاته اليومية....كان حريصا علي ان يعوض اولاده ما حرم منه..كثيرا ما يجالسهم..يحاكيهم..يقصص عليهم حكايات مضت وربما اساطير سمع عنها يوما من العم جابر..تراه شديد الاعتزاز عندما يذكرهم بانتصارات مضت وشديد الحسرة علي انكسارات لم يشهدوها..يدرك معني ان يزرع فيهم شيئا من قيم ما عادت تطفو..يحسده البعض ويغبطه الاخر علي تلك الروح المتسامحة في زمن الغل..يتفرد اولاده بنبوغ لا يتناهي..يشعره انتماءهم له وتفوقهم علي اقرانهم باقتراب لحظات الخلاص التي انتظرها طويلا..تخرجوا جميعا..كانت تقديراتهم مدوية..اصبحوا قاب قوسين او ادني من الحصول علي عمل يتناسب مع ما حصلوا عليه..بداوا رحلة البحث عن العمل..كلما اوشكوا علي الوصول الي ما تمنوا اصطدموا بواقع لا يتقبلهم..في كل موقع لهم يسبقهم اليه حسب ما قيل لهم من هم اولي..يعرفون من استوطنوا مقاعدهم لم يكونوا الا انصارا لاصحاب نفوذ او سلطة..او من المطبلين علي اعتاب لا تتفتح نوافذها الا بعد اجتياز اختبارات قدرة الايدي علي التصفيق طويلا..لم يعد العرق يتصبب علي جبينهم لما اصابهم من جفاف ..لم تعد تسكنهم تلك الامنيات التي ضلت طريقها..لم يعد هنالك مجال لابتسامة حتي وان كانت كاذبة...في نهاية اليوم يعودون كل علي حده..توقفوا عن جلساتهم المعتادة..نظرات من ياس متبادل..حالة من حداد ترتسم علي ملامح البيت..سكون يتقاطر كالصهد المربك والمتنامي موتا في اجساد لا تقوي....بعد عناء من بحث لم يتوقف اصبح البيت خاليا..لم يعد احد منهم هناك..لا يعرف احد امكنتهم..يجتر الوالد احزانه..يتستر خلف اسوار الامل الكاذب برجوع جوادهم الابيض..تنكسر مراياه سريعا حين اراه احدهم صورا لبنيه معلق عليها في احدي الصحف (مطلوب القبض علي هؤلاء)..لم يكن هؤلاء الا من ارادهم شيئا فاصبحوا غيره.

البحث عن حنايا

الوقت يمر سريعا..الاسرة لا تتوقف عن المداولات بشانها..لا تابه بهم..حالة من الضجر تنتاب الجميع سواها..قارب موعد وصوله..قرروا ان يكونوا اكثر صرامة معها لقبوله..لكنهم يعرفون عنادها..تقص لها امها واخواتها عن حساباته في البنوك..فتحكي لهم عن عشقها لمن احبت لبساطته وفقره..حكوا لها عن مدن لم ولن تطاها الا معه..اخبرتهم بانها لن تحتاج اليها فكل العواصم تسكن في حناياه..قالوا لها عن نفوذه وصولجانه وحرسه..حكت لهم عن ابتسامته وقلبه وحبه..صوروا لها المطاعم الفارهة والفنادق ذات النجوم الخمس التي يرتادها..تمنت لو شاركوها يوما الوقوف علي النيل ومشاطرتها واياه اكواب الشاي والفول السوداني والهواء العليل والثرثرات المتبادلة والنظرة الحالمة..افادوها بامتداد علاقاته ووصوله الي مراكز القرار..افادتهم بانها لا ترغب في مراكز قرار لم تخترها ولا في وصول الي محطات لم تنتقيها..عددو ا لها هداياه الثمينة وجوده وعطاءه لها بلا حدود..سردت لهم حكايته معها حين منحها لوحة رسمها لها يوم عيد ميلادها..نصحوها بان مراة الحب عمياء وقابلة للانكسار ولا تبقي علي حال..سخرت من تشبيهاتهم وضحكت من امثالهم..سخطوا عليها..ابدوا ما تاخروا عن اتخاذه بشانها..لم يترددوا في انباءها بما قرروه بشانها..عليها ان تعد العدة لعالم جديد وبيت اختاروه لها...بعد جهد اضني فكرها..وافقت علي ما راوا...فرحوا بعودتها الي صوابها..كل ذهب الي حال سبيله..بقيت مع نفسها..امسكت المراة..راته ينظر اليها ولها..اعادتها فراته بين عينيها..اغمضت عيونها استشعرت ملامسة يديه اياها..تنهداتها الطويلة لم يوقفها سوي نبضاته التي بدت تتوالي بين اضلعها..تلفتت حولها..النعاس يلف البيت..اقتربت من الباب القريب من جلستها..كتبت قصاصة صغيرة..اخذت الصورة العائلية الملقاة علي الكرسي المجاور..غادرت.. بعد وقت طويل قالوا بان البحث عن سلمي مازال مستمرا.

ابتسامات رافضة

يخرج من بيته قبيل العشاء متوشحا عباءته السوداء وعمامته المصنوعة من الصوف الخشن والمحاطة بالشال الابيض الذي لا يبين غالبا لونه..يتوجه الي المسجد مصليا وعائدا لمنزله..عودته تعني ان كل من في البيت في انتظار تناول العشاء معه...زوجته سعيدة بقدومة....تقدم له قطعة الصابون الصغيرة لغسل يديه بعد عناء يومه المعتاد في قطعة الارض التي ليس له مصدر رزق سواها..اولاده يلتفون حول موقد الفحم الذي يعدونه له قبل مجيئه..يمسك الصغار بارغفة الخبز نحو الجمرات المحمرة منتظرين مجئ الام بما يشتهون.. عندمايمسك العم سعيد بمذياعه الصغير متنقلا بين محطات الراديو..تستشعر حالة سكون تعم البيت..كلهم بدركون ان هنالك ما يستحق السماع..كان يضرب كفا بكف كلما سمع بشئ اصابته ضراء كانه الطرف المصاب..شيوخ القرية يقولون عنه(حمال هموم)..يتجاذب اطفاله قطع النار..تتناثر فتصير شظايا ..يوقف العم سعيد المذياع..يوشك ان يضربهم بعصاه المعوجة..تاتي زوجته حاملةالعشاء .. يسبقها صوت الخلخال..تهدا ثورته..يجلسها بجواره..يرمقها بنظرات حانية تزيل تجاعيد اليوم المكتظ بعمل لا يتناهي..يسالها عما فعل الاولاد في غيابه..تحكي له عن واحد منهم اقصوصة ربما لم تحدث..الاولاد ينتظرون صافرة البداية كي يبداوا الطعام..زوجته تتعجل مد اياديه كي لا يتاخر عن موعد نومه..البلدة كلها لم تكن حظيت بالكهرباء بعد..حالة من الفرح تنتابهم بعد ان تناول اول لقمة..راوها اشارة المرور للطعام..زوجته توزع قطع اللحم الصغيرة عليهم..تختصه بقطعة اكبر..يتناولها..خلسة يضع في فمها جزءا مما اعطته اياه..براد الشاي المغلي يتقلب في النار المشتعلة امامه...تصبه له وقد اتكا علي الحائط الذي بناه من الطوب اللبن من سنوات وقد اوشك علي الانحناء ...الاولاد لم يعتادوا شراب الشاي.يسالونه ان كان يطلب شيئا ..يمنحهم ابتسامة الرفض .يتسابق كل منهم كي يحصل علي غطاء للنوم..يصحب زوجته الي غرفته التي ميزها ذاك السقف المحبوك بجريد النخل..لمبة الكيروسين علي موعد مع الانطفاء عند سماعهم لام كلثوم..تطفئها زوجته..يدخلا الفراش سويا..ضحكات خافته تحيطهم...يقفز احد الاولاد من الفراش:
احكي لنا باقي حكاية ابو زيد الهلالي

مغامرات يائسة

وسط كل هذا الزخم الهائل من المشاغل لم اكن لاتناسي لحظة وصوله ولا موعد عودته ولا تاريخ الرحلة القادمة من لندن..من الصعب ان تتلاشي ذاكرتي مولد علاقة ربطتني باحد..اتذكره يوم ان كان ملء السمع والبصر في الجامعة..يوم ان كان قبلة المتعثرين من زملائه..اتذكر ابتسامته حين كنا نتشاطر كوب العصير واستيلائه علي سندوتشاتي وترقب نومي للخروج بملابسي..اتذكره ضاحكا عندما احكي له اخر النكات التي لا اجيد عرضها..ربما كان يضحك علي سخافة عرضي لها..لا ادري..تذكرته وقد فرحت اسرته بتخرجه معيدا في ادارة الاعمال..كانوا في انتظار لحظة انتشالهم من حال الي ما هو افضل...حاول ان يفعل شيئا..دون جدوي ..اقتضت دراسة الماجستير ان يلجا لاسرته المترقبة لحظات الخلاص..رشحه اساتذته لدراسة الدكتوراه في اكسفورد..اسم الجامعة وحده كان كفيل بان يراه ابوها اهل لمصاهرته..لم يكن ذلك الا في ذهنه..عاد منكسرا حين كان الرفض مدويا ومكبلا بطلبات لا يستطعها..سافر هناك..بعد شهور قليلة كانت الاستقالة من الجامعة تكوي عظام والديه..لم ينقطع عنهم ولم يتخلي عن تقديم ما استطاع لهم..تزوج منها..كانت تكبره بعشر سنوات..راسلني وقتها معللا ما لاقاه من خيبات وما اصابه من وهن..لم احزن لارتباطه بها قدر حزني علي انه لم يدع لنفسه فرصة لعلاقة حميمية تحميه من لظي الابتعاد عن الارض التي لم تفارقه..لم اشا ان ادير طبول اللوم عليه لان لديه ما كان يكفي من الاخرين..تحسنت حالته الماديه ..ظل علي تواصله مع اصدقائه في مصر..توقف عن الدكتوراه..عمل في احد البنوك..رزق بطفلتين..هو الان علي موعد مع الارض التي لم تفارقه يوما في يقظته ومنامه...اعلمني انه سيخرج من صالة كبار الزوار..سررت لذلك رغم اني لم اعرف بعد معني المصلح.
تعودت لحظات الانتظار ان اشغلها باشعال سيجارتي وتناول القهوة..باغتني بما كان يفعله قديما حينما كان يطلب مني الرد علي الهاتف في الدكان المجاور لنا ويتناول قهوتي..كنت اعرف انني لم اكن اشغل بال احد كي اطلب لكنني كنت احب ان اصدق كذبه..اخذ فنجاني من جديد لكن لم ينل منه شيئا لان عناقنا الطويل امتد لتختم القهوة علي ملابسه التي لم الحظ عليها ما كنت اتخيله من تغير عليه...كانت لحظة حانيه اعادت لنا حكايات قديمة ومغامرات يائسة وضكات غير مبررة وصخب في غير موضعه..لم نحكيها نطقا وانما هي لقطات سريعة مرت علي كل منا...بعد سنوات ها هو ذا....نعم هو نفسه الا غياب ابتسامته..فقدانه بريق عينيه..انفراط ملامحه..تعبيرات وجه منكسر..لم اطل النظر اليه..نظرت الي زوجته مرة اخري..كانت انيقة..متوترة..تجاعيد وجهها كخيوط الكتان المحيطة باعشاب برية..نحيلة كنخلة بيتنا المنحنية ..لم اكن ارغب في تعداد عروقها التي انتصبت وهي تنهر طفلتها لابتعادهما..شعرت بتبرمه من تساقط شعرها الذي شهدت عليه الطاولة..نظرت اليه مرة اخري..بين شفتيه كلمات لم اسمعها..فقد توقفت عن قراءة ماهر رفيق غرفة السطوح التي هدمت عن بكرة ابيها في اخر زلزال اصاب مصر.

نحو النهاية

بامكانك ضبط ساعتك علي موعد خروجه من البيت..مرتديا بدلته التي شكت تغير الحياة ولم تستبدل منذ سنين..حذاءه لم يعد لامعا مثلما كان ..ربما لانه يستحق كما كان يعتقد .. قامته تقاوم الانحناء ما استطاعت..خطواته وئيدة ..نظراته لا تخلو من حالة ارتباك..فسرها البعض ممن حوله بانها حزنا علي موعد خروجه للتقاعد..يدخل الميكروباص محشورا وسط اكوام البشر التي تنتظر الركوب ..ما ان يصل الي الحي حتي يخرج دفتره الصغير..يبدا في قراءة طلبات زوجته التي لاتنقطع..الفول..السكر..الحليب..ملابس للاولاد..تعود ان يشحذ طاقاته عندما تهب نسائم العام الدراسي حيث دروس الاولاد ومصروفات المدرسةوالمواصلات لهم ذهابا وعودة..كثيرا ما يتفتق ذهنه عن الوصول لما يريد من خلال عمله..لكنه يختلف عن غيره من زملائه الذين ركبوا سيارات فارهة وسكنوا في اماكن راقية..لم يطمح فيما يزيد عن الخروج معافي من الديون نهايه شهره..حتي هذا الطموح لم يصل الي تحقيقه ابدا منذ ان عمل..يعرفه مهندسو الحي ومقاولوه بانه الاكثر رحمة وسط هذا الكم من اكلي لحوم البشر..عندما يصل احد ممن يحتاجون الي خدماته كان يعرف الطريق الي مسبحته والتي يستخدمها بشكل يوحي بحالة من الزهد التي تعانق السماء..لكنه سرعان ما يرتد ارضا حين يقلب ارباح طالبي الخدمة..لا وقت للضياع ..هاي هي بضع اشهر وتنتهي خدمته..لا جدوي من الخروج صفر اليدين بعد ثلاثون عاما..جاءته سيدة علي ملامحها ملامح الوقار..طلبت منه سرعة انهاء اجراءلت تصريح لبرجها..اخبرها بان الاجراءات تاخذ وقتا طويلا..اوحت اليه بانه الكل في الكل وهو جدير بانهاء الامر وانها تقدر ما يقوم به..شعر بانها المهمة الاخيرة..طلبت لقائه خارج العمل..قابلها في اليوم التالي..لاول مرة يدخل في مطعم كالذي دعي اليه...خجل من ملابسه التي لا تناسب المكان..وعد بانه لابد وان يدخله مرة اخري بلباسه الجديد بعد انهاء المهمة التي هو بصددها..كانت ودودة معه..اعادت ابتسامتها اليه شيئا من نشاط افتقده..بدا قلبه يخفق لان الدنيا فتحت ذراعيها له بعد سنين من العمل المتواصل..شئ من قلق يساوره لكنه استبعده سريعا فليس في الامر ما يستحق البكاء عليه..اخذ في توزيع الربع مليون المتفق عليها بذخا هنا وهناك..فكر في وضع برامج لتغيير حياته..قرر ان يستعيد عافيته ويري نفسه قليلا امام زوجته التي اهتز كثيرا امامها الفترة السابقة..لابد من يوم في الاسبوع للتنزه في الاماكن التي لم يرها من قبل..لابد من العودة لهذا المطعم الذي غير حياته..لابد..لابد..استعاد توازنه فقد ذهب بعيدا وهي جالسة الي جواره.
نظرت اليه نظرة طمانته علي ان الامر سيظل سرا بعد تقاعده لانه قدم لها ما يستحق تقديره وانها ربما تلجا الي خبراته بعد انهاء خدمته..بدا مطمئنا..طالبته ان يفتح الحقيبة التي امامها وان يتاكد من صحة المبلغ ..فتحها ..من المعيب ان يعد نقودا قدمت بهذه الطريقة..لكنه امعن النظر فيها..اغلقها..استاذنته طالبة همته..خرجت مسرعة..تاكد من خروجها..تاهب للخروج..امسك الحقيبة بقوة..حاول السير بثبات رغم شعور بالرهبة..علي باب المطعم ..مد احدهم يده نحو الحقيبه..صفعه علي وجهه..جمهرة من بشر يتكدسون حوله..اخرج مطواه التي اعدها لاول مرة لمثل هذه المواقف..صيحات تحيطه تشجيعا وتهليلا وتصفيقا..شعر بانه ليس وحده..تقدم احدهم:برافو...الكميرا الخفية!!!!!!!!!

انثناءة سهم

جزيرة الجفتون
اخيرا عاد الي تلك مدينة الغردقة التي طالما راودته عن نفسها مرارا...تعود الذهاب اليها وحيدا..هناك يشعر بالانطلاق عند سيره علي الشواطئ ممتطيا صهوة الهواء الذي اختفي من سماء المدن الموغلة في التلوث..يرتدي ملابس البحر حتي لو لم يذهب اليه..يفتح اشرعة صدره للريح ...يمشي احيانا حافي القدمين..تغمره السعاده بابتعاده عن وسائل الاعلام الغارقة في اختلاق الهذيان..وعن القنوات التي اصابها العقم وعن تلك الحكايا الرتيبة علي المقاهي...وعن تلك الفتاوي التي تغزل وتغازل من يهمه الامر..كان المساء صحوا ورائحة البحر تتسرب اليه وتواري سؤة الاشهر الماضية..ها هو ذا يقترب من ذلك الكازينو الذي زاره ذات مره..وجوه العاملين بالمكان توحي بحفاوة بالغة..ارشده احدهم الي مقعد قريب..فضل ان يغير ما اختاره له رغبة في الاحساس بان عليه ان ينتقي شيئا ما بارادته في حياته حتي وان كان مقعدا..هناك زاوية هادئة وضؤ خافت..جلس محاطا بموسيقي ناعمة..رغم كثرة المرتادين الا انه احس بالسكينة..الفرقة الموسيقية لا تالو جهدا في ارضاء الزبائن..هو لا يطلب شيئا بعينه..لكنه سعيد بتلك الوجوه التي بدت مبتهجة..اشعل سيجارته بطريقة مختلفه مغلفة بانفاس البحر..الشاي لا يقلل من نكهته سوي زجاحة الماء المعدنية التي قدمت له رغما عن ارادته..راها هناك تنظر اليه بابتسامة حانية افقدته التفكير في امر تلك الزجاجة التي وترت اعصابه..لم يرها من قبل لكنها فاجاته بتلك اللفتات التي انس بها..فكر في تغيير مقعده والجلوس قريب منها لكنه الشئ الوحيد الذي اختاره ربما في حياته..راها تختلس النظر اليه..كلما امتدت يدها نحو كاسها رفعته عاليا تحية له..شعر بان عليه ان يعاملها بالمثل لكنه فضل ان لا يلفت الانتباه اليه..شعر بارتياح غير مستعار ان صادفته..تغيرت نغمات الفرقة الموسيقية الي نغمات شعبية توحي باستدعاء الزبائن الي الرقص علي المرح..لم يعتد التصفيق عند السماع..رفعت كاسها ..اشارة اليه بالصعود الي خشبةالمسرح..بادلها التحية الصامته والاعتذار عن المشاركة..كان شعرها المتدلي مرفرفا حتي صدرها الذي كاد ان يقفز متجاوبا مع دقات الطبلة التي اصابت عازفها بتدفق العرق...التصفيق لم يتوقف كلما كشف الهواء عن ساقيها اللتان لفتتا الانظار ...لكنها كانت تخصه بنظرات مختلفه..ود لو استلهم روح كيوبيد وسهامه..لكنها اثرت ان توفر عليه العناء ..ارسلت له قبلة جعلته يطلب فنجانا من القهوة بلا مياه معدنية..ما ان عادت الموسيقي الهادئة الي الاذان حتي نزلت من اعلي..فرغ من قهوته..اشارت اليه بالخروج..اربكه الشعور برغبتها في لقائه..القي بالحساب علي طاولته..خرج مسرعا خلفها..تعجب انها مدت اليه يدها قبل ان يواجهها وهي تسير الي الامام...هم بملامسة يديها..شئ ما يعانق الارض طولا..لحيته تلامس الاقدام ..تمتد يده اليها وعلي وجهها شئ لم يستطع فريد ان يقراه.

اوتار قلب

حين تهاديها يخضر جبين الارض..تجتر الشمس اشعتها منها ..تورق اشجار الزيتون ..تتعطر اروقة الكون ..تتواري كل نجوم الدنيا خجلا لتصبح اسطورته التي قيض لها ان تكون قدرا مقدورا..هي بضع نساء في هيئة امراة تجتاز مواكب دهشتها حد القلب لتصبح نبضا يغتال سكون الصمت ليحكي انشودة عشق في زمن الجدب...بسمتها صبح يتجدد..عيناها شعاع يتمدد كي يستوطن ذاته..وجه تعلوه ترنيمة نفس هادئة وحياء لا يفقدها روح الالفة ورواء الانثي..صارت روحا تسكنه..تتوسد صدره..تشعل ابار رجولته..وتزيل هموم الوجد الكامن في الاعماق..يشعرها بين حناياه..توقظه عند سبات الوقت ... يتوسدها عند منامه...كثيرا ما شعر بكونه محظوظا...كثيرا ما ابتهل الي بارئه ان يبقيها عشقا يتالق ما بينه وبينه..تعرف قدر امانيه..تحيطه بسياج من فكر يتوقد..ترقد صورتها بين اساطير لا تنسي..حين يحاكيها كانت صمتا ياسر لبه..ينصهر امام انامل لم يلمسها..تلهبه بسياط ذكاء مفرط يشعره بنساء كانت يوما..ترفعه فوق عنان سماءها دون ان ترتد ارضا..يتساءل كيف يعانق هذا الروح المتسامي والمتالق في اركانه..كيف تغيرت الفصول علي يديها..كيف اصبحت فصلا منفردا يعزف انغام الحب علي وتر القلب دون صكوك توهنه علي قارعة الصد؟كانت غيبتها بطعم الحضور ..يانسها متي شعر بغربة هذا العالم..تمني لو غرق يوما بين جداول نهديها مغتسلا من كل خطاياه....لم يشعر يوما غيبتها...كانت زلزالا يمنحه طمانينة النفس وبركانا يتصبب حمما كي يستاصل كل المنايا التي صادفته...هكذا حكي لنا عمي امام حكايته

ابجديات منسية

منذ قدوم القلب النابض في كل زوايا الكون..منذ رحيل العتمة من دنياه...منذ سكون الليل علي عتبات جدائلها المتوشحة ببضع شعيرات بيضاء لتنسج صبحا يتنسم عطرا كي يحيي اسفار ا كادت تفني في زخم الايام. ..منذ تغير خارطة الارض لتصبح محورها..منذ اشتقاق الاستواء حرارته منها..منذ زمان كانت روحا وظلالا..امواجا هادئة تترامي فوق شواطئه..تحمل معها اصداف اللؤلؤ والياقوت..تلقي برمال حانية كهفوف الريح القادم همسا من مرفئها..ياخذها ..تاخذه لعوالم ما قبل الميلاد ..ما قبل الطوفان..ما قبل ولوج الجن وبعد قدوم الانس..يعرف كيف يسافر في ملكوت الفيض النابع من عمق جداولها الريانة..هي تعرف كيف تداوي اوجاع القبض الناشع في اسفاره....تراه حبا..يراها عشقا..احبته بلا قيود ..احبها بلا حدود .. يشتاق اليها حين تغيب ويزداد الشوق عند امتداد الحضور احبها حتي انكر كل غرائزه كي تبقي وترا يعزفه عند ذبول القلب فيخضر مداد العمر ليصير رضابا يمتد .
.تراه احدي علامات التعجب ويراها علامة جديدة لم تعرفها من قبل علامات الترقيم
..يراها احدي .. .علامات الصبابة..
.وهناك  صفحات  اخري اتلفها الرحيل.

عودة الصدي

مضي زمن غير بعيد علي اخر لقاء جمع بينهما....كان الجو ماطرا والرياح عاصفة ..رعد هنا وبرق هناك..شتاء قارس..الشوارع خالية الا من عربات تركها اصحابها رغبة في النجاة من ذلك الصقيع والغرق المقبل...كان متيقنا ان الطبيعة تحالفت مع وداعها عصفا ..برقا ورعدا..لكنها ترفقت به ..امسكت بذراعه..منحته دفئا انساه شيئا من طقس اللحظة..وهبته نظرات هادئة كانت كفيلة بطمانته..نظرات عتاب القاها علي صفحات وجهها المبللة ..ربما اختلط الدمع بماء المطر..لم يشا ان تعاهده علي عودة اشراقتها اليه..من النبل ان لا يفعل..عاهدها ان تبقي شريانا في اوردته..ظلا في حناياه..رعشة في يديه..حاول ان لا ينظر في عينيها..قبلها دون ملامسة..ادار وجهه بعيدا صوبها...عاد ادراجه..عند قدوم الليل يعانقها..يحاكيها..ينظر اليها خلسة..تتكسر اعينه في استحياء حين يطيل النظر اليها ..يخبرها عن ما كان وسوف يكون..تشكو اليه ما عانته وما اسعدها..يعودان لازمنة صنعاها سويا....تلقي براسها علي صدره..تتدلي خصلات شعرها علي جبينه فيرتد نوما....تاتيه في حلتها البيضاء طيفا يخضر له قلبه..ترقد فوق مساماته فتزيل عجاف السنوات..يذكرها عند صياح الديك..يستقظ ..كل صباح يروي تلك الشجرة التي اعطاها اسمها..يتامل تفتح زهراتها..اكتمال ثمراتها..اخضرار اوراقها..اهتزاز اغصانها..رسوخ جذورها..نضارتها..ظلالها..سخاءها..شموخها..صفاء الوانها..يتذكرها..يمسك براسه ..يغمض عينيه ,.. متاوها ...وجلا يخاطبها:اما كفي؟
يرتد اليه الصوت:انا معك

حب حتي مطلع الكراهية

تسيقظ مبكرة كعادتها.. ترتدي رداءها الاسود..تترك صغارها خلفها.. تتسلل دون علم زوجها ..تعرف طريقها اليه..تسير في طرق ضيقة.. تتفادي نظرات من حولها..تحبس انفاسها..تحث السير..تبتغي الوصول قبل يقظة اطفالها...تصل اليه..نظرات مشتتة..افكار مبعثرة..دموع حائرة..صدر مختنق..حنايا محترقة..لم تكن تدرك المجئ اليه حب يغمرها ام عتاب لا ينتهي..شوق اليه نفسه ا م الي المكان الذي اقام فيه..تتسمر شاخصة امامه..تستحضر ايات الرحمه..تستحضر صوته.. هيبته هيئته..كل مواقفه..لحظتها يتوقف مجري الدمع..يتواري الشوق..تتلاشي الايات..تتداعي ذاكرة هموم وبقايا جرح لا يبرا..تلقي بما حملت ارضا..تتقيا وهم الحب المارق لهويتها..تجتر لهيب الود السارق لطفولتها..تستحضر ضؤ العتمة حين امتدت يده لتصافح من اسماه يوما لها زوجا..تنظر شذرا...تمنت لو وقف قليلا امامها..لو خرج من قبره بضع دقائق..تعرف انه لن يفعلها..ربما خوفا من نقمتها..ربما لفقدانه الحجة..وربما لانها مواجهة خاسرة..تنتصب قليلا..بدت حريصة علي مخاطبته..لابد لها ان تسمعه هذه المره ما لم يسمعه:
اعرف كم اعطيتني...كم منحتني..كم قدمت الي..
اعرف.نعم..نعم..احببتك كثيرا وخفتك اكثر
علمتني كيف اقرا وكيف اكتب..وعلمتني انني عورة
علمتني ان الحياة شوري واخترت لي من يشاطرني الاغتصاب
علمتني ان الحياة تجارب ولم تتح لي خوضها
علمتني ان اوجه الموت ولم تعلمني الحياة
علمتني......
صوت ممتزج برائحة الموتي ..تعرفه منذ مصافحة ابيها له..يتعجل عودتها..تستجمع وهنها متوجهة نحوه

همسات ضائعة

رغم شتاء موغل في البرودة..رغم المطر المتساقط من اجفان سماء لا تهدا..رغم الرعد القادم من رحم الغيب والمتلاقي بنظيره في جوف النفس..رغم البرق المربك للرؤيا وسط سحابات سوداء..شق طريقه وسط الزحام..لم تكن مظلته قادرة علي كبح جماح الماء المنسدل علي معطفه الجلدي ولا انقاذ حذائه مما الم به من تراب تحول الي قطع طينية بعد ان قضي وقتا في تلميعه بنفسه..ضحك قليلا من نظارته الشمسية التي اكسبته سخرية البعض في وقت كهذا..امسكها بيده المرتعشة بردا..دخل الي المبني يتوجس شوقا..كانت واقفة في زاوية تبعد بضع امتار من مرمي بصره..اخذ يمعن النظر اليها في زيها الصيفي..كانت اسهمها تتالي نحوه..باسمة كسنابل قمح ..وضاءة كشموع تعزف ايات الوصل..مسودة كتراب الارض الولادة خصبا...متوقدة باشعة ما بعد بزوغ الفجر الي مطلع خفقان القلب..اسفه مرور احدهم حاملا اكواب الشاي الساخنة طلبا للمبيع قاطعا عليه روح اللحظة..تناول الكوب منزعجا منه..اقترب منها..نظر الي خصلات شعرها التي تركتها دون ترتيب..يعرف انها فعلت ذلك لاجله..كانت مترامية علي جبينها المفعم بدماء تجري فتحيل الوجنات الي زهر يستنكر قطفه..بدا الدفء يدب في حناياه لا يعرف ان كانت حرارة الشاي الساخن ام من جراء تامله لصدرها المتصبب عرقا كنهر يختزل جنون الشمس كي يمحو ذاكرة صقيع لا يالفه..بدت مطمئنة له ..لم تنظر لاحد سواه..شعر بحفاوتها به..يعرف مقدار مكانتها..يدرك انها تترفع ان تمنح احدا غيره تلك النظرات العابرة لقسمات القلب..او ذاك الهمس اللاغي لفتور اللب...او تلك الانفاس النابعة من ابار حنين لا ينضب..اناملها تمتد اليه..يقترب منها..يستجدي دهشتها..تمتد انامله اليها........
اصوات تتعالي واخري تنخفض:
هذا اخر يوم لعرض اللوحة!!!

تنهدات عابرة

تعطلت لغة الكلام..توقف حوار العيون..حتي عطوره اصبحت برائحة رتابته منذ فترة...تصطدم اللمسات بالالة الحاسبة التي لم تعد تفارقه..كثيرا ما حاولت ان تخرجة من دوامة الحسابات المتتالية والارق اللامتناهي القابع في ذاكرته..لطالما اعانته علي كثير مما الم به..علمته ان يقوي فظن بها ضعفا ..ساندته في محنه ولم يتفهم عطاءها..لم تتركه في سفره ولا اقامته..قدمت حليها يوما كي يقف علي قدميه..كانت تعد له كل ما يرضيه رغبة في اشعاره بالامان..دافعت عن هفواته وهناته ولم يتحمل ضجرها..تحملت طقوسه التي لا تناسبها من ماكل ومشرب وطريقة تنفس ولم يتحمل مجرد تنهداتها العابرة..حلمت بيغييره يوما.. اصبح الامر مختلف الان..عليها ان تراجع حساباتها..عليه ان يفهمها..لابد من اعادته الي صوابه..لم تعد قادرة علي تحمل جرحه النازف في اضلعها ولا كلماته الثاقبة المتربصة بهويتها ولا تلميحاته بالعز الذي تصورها ترفل في جنباته..لم يعد باستطاعتها ان تقبل دورا هامشيا بعد كل تلك الفترة..اصرت ان تتوقف عن لعب دور الجارية ..هي لا ترغب ان تمارس دور المفعول به الي الابد..تيقنت انه من العسير ان يدرك ما تعنيه..ادركت انها لن تسطع صياغته.. رات انه من الصعب ان ترمم الصدا..من المهين القبول بتلوث حياتها..من المستحيل ان ترسم وردة علي اوراقه الذابلة..ولا ان تسنتشق العبير من ليل لا يتلوه صباح..تزينت..تعطرت..ارتدت اجمل ما لديها..اضاءت بضع شموع..سمعت موسيقاها المفضلة..اخذت نفسا عميقا..امسكت ببضع حبوب اعدتها مسبقا..جلست علي فراشها..تناولتها انتظارا لصبح جديد

احلام مكسورة

كلما ازداد شوقها اليه يزداد تثاقلا...تحبه..تعشقه..ترغب في مجيئه..لكنه يعاندها..يتباعد عنها..تستجديه يزداد غرورا....تستهوي قربه..يتلذذ بافتتانها به..تفتقده في كل لحظه..يتناساها في كل اللحظات..تعزف علي اوتاره ويدق طبوله علي اعصابها..تراوده عن نفسها ..يتركها دون استعصام منه..مازال فراشها يشكو هجره....ذراعاها تتوقان اشتياقا اليه....ضفائرها لا تبتغي سواه....تمنت لو تبدلت اضلاعها علي مرفقيه..لو القت بظلال ضجرها علي مرافئه..لو امعن في سكناها..لو بادرها الخلوة تلو الخلوة..لو داعب اعشاب الصدرالمتهالك الما..لو فك طلاسم نشوتها التائهة علي وجنات العمر..لو غير مجري الجرح النازف في قحط اغترابها..لو حول اشجار القهر بداخلها لجنان تسكنها معه..تتقلب بين دوائر افلاس تتوحش عبثا فتصير كجمر يتجافي ان يصير رمادا....ودت لو شاطرها احلامها المكسورة..دقاتها التي توارت..ارتعاشاتها التي اختفت..جنونها الذي غاب..دمائها التي توقفت..كلما اتسع حنينها ضاق صدره..كلما اتت اليه انزوي بعيدا..تتكسر امواجها علي صخرته اللامبالية..تنطفئ براكينها عند قاراته القطبية..يتهرب منها..يسخر من رغباتها..لا يابه بالياس الكامن في اعينها..لا يدرك قسوة ما يفعله معها..منحته قرابين البوح ومناجاة الليل وترانيم الصبح..قابلها بالصد ونكران القرب وبالهجران..تتعجب من زمن ضن عليها بما كان يرافقها دوما وقت الشدة وايام اللمة ..في سنوات الفقر وفي ايام العوز التي مرت علي سراطها هانئة البال ..مستريحة الجانب..خالية الهموم...تمنت لو عادت اليها مرة اخري كي يعود اليها النوم.. حبيبها الغائب علي حصانه الذي طال فراقه.

ثرثرات عزيزة

شقة فارهة..اثاث من ارقي ما يمكن ان تحلم به امراة..اجهزة تسيل لها لعاب كل زائراتها..ديكور لم تكن تحلم به يوما..طفلين في عمر الزهور..ورود تزين المكان بالوانها الزاهية..خادمتان تنتظران بشغف تلبية ما يطلب..صالة لا تحيط العين باتساعها..اجهزة تكييف تملا المكان..عدد من الطاولات امامها تتبعثر عليها علب سجائر من هنا الي هناك..امسكت عزيزة بولاعتها الفاخرة..اشعلت سيجارتها بشئ من التبرم..اخذت بضع انفاس منها..القتها ارضا..امسكت الاخري..لم تكد تشعلها حتي لحقت بالاولي..كانت ترتدي فستان سهرة من ارقي دور الازياء التي زارتها مؤخرا..شعرت بدوار..القت بنفسها علي كرسيها الوثير..الزوج كعادته لم ياتي في موعده..القت نظرة علي طفليها ممزوجة بالحزن ومطهمة بالاسي..وقفت..نظراتها لا تخلو من الاكتئاب..تساءلت الي متي كل هذا؟كيف تحملت كل ذاك..؟تذكرت يوم ان كانت في بيت ابيها ملء السمع والبصر..كانت حياتها كرفيقاتها يكملن عشائهن احلام ..كن يتمتمتعن بالاغنيات القديمة..شعرت بانها فقدت بكارة ادميتها..تمنت لو وجدت من يخاطبها..من يساءلها..من يرفض لها طلبا..تمنت لو شعرت يوما بجوع كما كانت يوما..ودت لو قامت باعباء المنزل مثل ما كانت تفعل في بيت ابيها..اه لو عاد بها الزمن لثرثرات ايام لم تعد...فضلت التوقف عن التفكير..مضت نحو غرفة النوم..نظرت الي المراة..عزيزة لا تري نفسها ..شخص اخر تمنت لو عرفته

اعتقال قلم

لم يكن السفر من الاشياء المحببة الي نفسه حتي وان كان للاماكن القريبة...لكن لهذه الزيارة الشهرية اهمية لديه تجعله يشحذ كل طاقاته لاتمامها..واتمامها يعني لابد من استخراج تصريح من وزارة الداخلية..ولابد من تفريغ خزانة البيت الفارغة..او الاستدانة من احد الجيران لشراء ما يلزم من اطعمة وادوية وملابس قد يتم استلامها او لا في سجن وادي النطرون الذي كرم اخيرا بلقب معتقل الوادي..ابوعادل اضطر بعد طول عناد ان يصطحب زوجته لزيارة الابن الاكبر الذي لم يكد يحصل علي الماجستير حتي اقتيد الي جهة غير معلومة بتهمة قلب نظام الحكم.ولم يعرف مكانه الا بعد مرور ستة اشهر .كان الناس يتساءلون..اي حكم؟اي نظام؟متي قلبه؟وكيف قلبه؟وفي اي ساعة؟لم نره يوما حاملا سوي قلمه واوراقه..لكن يبدو ان مخبر امن الدولة ناصر راي فيه ما يدل علي تاكيد الاتهام.
المسافة من القاهرة الي الوادي تبلغ حوالي تمانون كيلو متر..موقف السيارات مكتظ بالراغبين في السفر..ابو عادل وزوجته داخل السيارة التي اكتمل نصابها..عرق يتصبب..ادخنة تتطاير..اصوات سباب السائقين..بائع العرقسوس..ولد هناك معاكسا فتاه لا ترتدي سوي مالا يغطي صدرها..عدد من السائحين وضحكات ساخرة..امين شرطة يقف امام المارة طالبا البطاقات الشخصية..يبدو ان المرور امامه لابد له من اثبات البراءة وثمنها بضع جنيهات...تحركت السيارة بطيئا..الطريق قبل الوصول للهرم معبد بالمطبات..اشارة الهرم تستغرق ساعة او اكثر..بعد فترة طالت كانت السيارة علي طريق القاهرة الاسكندرية..علي الجانبين مزارع لرجال اعمال..فيلات لسيدات مجتمع..اعلانات استثمار وعقارات..ركاب السيارة كما يبدو مشارب مختلفة..شيخ يتلو ايات..قس يحمل صلبانا..شاب يتحدث عن جيفارا..سيدة تتحدث عن غلاء الاسعار..سائق الميكروباص يطلب الاجرة..اقترب الوصول..دقات قلوب تنشد اللقاء..رعب من فقدان الادمية..خوف من سؤ المعاملة..نزل الركاب جميعا..الكل استعد لتقديم البطاقات الشخصية..الجندي اوفقهم صفوفا..اخذ ينظر من اعلي لاسفل الي كل واحد منهم..جنود يمتطون احصنة ذهابا وايابا..عربات تري من نوافذها الضيقة ايادي ممتدة ..ذقون بشرية او صدي ايات او تراتيل.اوشعارات..علي بعد مسافة غير بعيدة تري اردية بيضاء لاناس حفاة معصوبي الاعين.
تقدم ابو عادل وزوجته للزيارة..المخبر قرر ان يتعاون معهم بعدما القي في سترته ما قدم له..فتش الاطعمة..القي بالادوية..مزق بعض الملابس..حرق بعضا من الكتب..نظر الي ابو عادل وزوجته قائلا:ااه الاقلام داخل علب الادوية..ممنوع الزيارة.1

موعد بلا لقاء

حين يرخي الليل سدوله علي القاهرة فهذا لا يعني توقف الحياة..انها بداية لنهار اخر لكنه يحمل في طياته المتسع لتنفس اخر ونسمات مختلفة تخفي كابة الوان النهار علي الوجوه والمباني..كانت الساعة التانية صباحا....بعد طول غياب اخيرا عادت سميرة الي مسقط راسها بعد زواج لم يدم سوي شهور قلائل من ذلك الشيخ الذي تعددت زوجاته..فقدت الكثيرمن بهاءها ورونقها واحساسها بنفسها شعرت بمرارة القبول به دون استشارتها وفرحة الانفصال عنه في ان واحد..احزنها كثيرا نظرات الشامتات بها والفارحات بعودتها بخفي حنين..حاولت ان تتناسي ما كان..ارادت ان تحتفل بعودتها الي نفسها..قررت العودة اليه..علي عجل صنعت لنفسها فنجانا من القهوة..تناولته سريعا..ارتدت ملابس بسيطة للخروج..لم تهتم كعادتها بالمساحيق..الان هي في حاجة لرؤيته..ودت لو علم الكون كله بعودتها اليه بعد الفراق..كم تمنت لو صافحته في غربتها..لكنها كانت تراه في احلامها..تستشعره في يقظتها..تحادث صديقاتها عن روعته والاحساس معه بالامان..الان هي ذاهبة اليه فلطاما كان حوارهما مختلف..كلاهما يعرف همس الاخر..شدها اليه ذلك الهدؤ وتلك السكينة..جذبها انصاته اليها والاحساس بها..لم يغب لحظة عنه..تذكرت اخر لقاء بينهما حينما شكت اليه زواجا لم ترتضيه واهلا لم يرحموا توسلاتها..راته دامع العينين..صامتا..كئيبا..كادت ان تلقي بنفسها بين ذراعيه....توقفت الان عن المرور علي جسور الماضي..حانت لحظة العودة اليه..احبت ان تراه في وقت متاخر والليل يتوسد نجواهما..استقلت سيارة..الشوارع لم تكن مكتظه ..حركة السير منتظمة علي غير عادتها..ضربات قلبها تزاد اشتياقا..حنينها اليه يسبق اللقاء..اخذت تستجمع ما ستحكيه له وما حدث معها..اغمضت عيناها..لم يوقظها سوي صوت الاغنيات المبتذله التي وضعها سائق التاكسي..توقفت حركة السيارات...شئ ما في الافق..الوقت يمضي..رجال المرور يسحبون الرخص..قوات امن هنا وهناك..خفض السائق صوت المذياع..حسنا فعل قالتها في سرها..صوت مؤذن الفجر...الشمس اوشكت علي الولوج..لا احد يعرف ماذا حدث..احد المارة يصيح مختنقا..والله هذا حرام..كلما اتت شخصية كبيرة توقفون الحياة..حرام..حرام..شعرت سميرة بدوار ..لابد من العودة من حيث اتت..نزلت من السيارة..ذهبت الي الجهة الاخري من الشارع لتعود ادراجها...اسفت كثيرا لان لقاءها مع النيل تاجل لحين اشعار اخر.

غياب الكاشف

تتوالي مشاعر الخيبة..احس بسوس ينخر في عباب ذاكرته..ود لو حمل راسا اخر غير تلك التي اصابته بالوجوم..مل مدنا لم تحتويه وقلوبا لم تبحر يوما في مجرات الالمه المحرقة..الوجوه امامه اقنعة..المحطات موحشة..عذاباته لا يعرف لها نهاية...لا تمحي من ذاكرته اياما قضاها علي ضفاف الفرات وامام جنبات دجلة..نخيل بغداد..شموخ ابنائها..تلك الثمار التي ما ذاقها الا هناك..حتي الطرب العراقي لا يعرف نكهة سماعه الا في بغداد..مذ غادرها عامر بعد السقوط اكتوي بلهيب الفتور ووعكة الانكسار..الكون كله لا يروي ظماه..المدن لا تعرف غوره..الارصفة لا تشاطره رغبات العودة..ما عاد عامر يعرف طعما لصوم ولا نكهة لنوم ولا انتفاضة لقلب منذ مغادرته بلاده...كانت لحظات فراقه مدوية والخروج منه اقسي ما مر به في حياته...راي بلادا بلا اقمار..نجومها لا تسطع..اناشيدها لا تطرب..ضحكاتها لا تسر..كره اقامة لم يخترها..ضاق ان يتمتع غيره بخير بلاده ..لم يتقبل يوما فكرة ادعاء حرية لم يحصلوا عليها ولا تحريرا هم لم يطلبوه ..تذكر يوم اختفي مراسل بغداد لاحدي الاذاعات ..لم يغب اسمه من ذاكرته حسن الكاشف ..اشتد به الالم لاختفاء صوته فجاة ..احس بان خريطة تغيرت او دوامة تحاك .. كم حزن ان يكون الهاتف هو الرباط الوحيد ما بينه وبين امه هناك..اشتد حنينه لسماع صوتها علها تنقل له جرعات لصبر يفتقده وحنان امومة كان بحاجة اليها واحزمة امان ضاع في حوزة زمن ردئ..هب واقفا في غرفته المظلمة بلون السواد الذي اشعلته الذكريات..اصطدم راسة بشئ صلب لم يدركه...سقط ارضا..امسك براسه..بضع قطرات من دماء..استعاد ذاكرة الاماكن..اضاء الغرفة..امسك بالهاتف طالبا امه هناك..صوت دامع العينين يرد هامسا..ولدي الف سلامة ..امسح دمائك.

دقات متاخرة

تابطت دفاترها بعد يوم شاق كغيره في حياتها..عانت كثيرا من انفراط عقد تلاميذها..كانت مؤمنة برسالتها كمعلمة لكنها لم تكن تعلم بصدامها يوما مع جيل فقد كثير من هويته..انتماؤه..اخلاقياته..سلوكه ..كثيرا ما ضاقت بخلو اذهان طلابها من بديهيات المعارف......شعرت بانها منبوذة من زميلاتها كونها متشبثة بما بدا لها صوابا..كانت الاكثر جهدا والاقل تقديرا من قبل الادارة..المتربصين بها يعرفون عدد المذكرات التي احيلت للشئون القانونية ضدها..كل هذا لم يمنع رابحة من مواصلة دراساتها العليا في الجامعة..زملائها والاساتذة تندروا كثيرا لما تفعله رابحة..هي تتفوق علي الجميع بما فيهم المعيدين..تتشابك مع اساتذتها فكريا..تجيد البحث ..تفتح نوافذها علي كل جديد ..الان هي علي قارعة الاربعين من العمر..برنامجها اليومي من يتغير منذ سنوات..الذهاب الي المدرسة..الخروج منها بعد الظهر..الذهاب الي الجامعة..العودة سيرا علي الاقدام الي بيتها البعيد نسبيا ..بعد العشاء التحضير ليوم دراسي اخر..هكذا حياتها منذ سنوات..شعرت برغبتها في التغيير..حاولت ان تعيد حساباتها مع نفسها..قررت الهدنة مع الواقع..احست بحاجتها لاشياء كثيرة توقفت من ذي قبل عن التفكير فيها..علي غير عادتها دخلت المدرسة في اليوم التالي وعلي وجهها ابتسامة لم تكن تري من قبل..خاطبت تلميذاتها بلطف..باسطت زميلاتها وزملائها بشكل مختلف ..توجهت لادارة المدرسة بباقة من الورد..شعرت بارتياح من حولها لما صارت عليه..خرجت الي ما كانوا يسمونه ملعب المدرسة..رات مجموعة من الفراشات تتهادي امامها حول ما تبقي من اشجار هزيلة..ودت لو جلست ارضا لتامل زوجا من الحمام يداعب كل منهما الاخر..لم يمنعها من ذلك سوي بقايا مناديل ورقية اكتست بها الارض واكياس البلاستيك المتناثرة هنا وهناك....مر الاستاذ حسن امامها..هو اخر من تبقي من المتمسكين بحق العزوبية ...نادته:استاذ حسن سبحان الله: ليتك تنظر الي زوج الحمام اعلي الشجرة..والفراشات المحيطة..نظر اليها مرتبكا:
الحصة الرابعة بدات..لقد دق الجرس!

اذان بلا فجر

ودع الليل سكونه..تسلل بصيص من الضوء علي جنبات قريته الهادئة..صوت مؤذن الفجر يقطع اواصر يوم مضي..استيقظ الحاج مرسي من نومه كعادته في ذلك الوقت..لم يشا ان يوقظ زوجته..اخرج اغنامه التي لم تعرف يوما طريقها الي مزرعته..;كانت تعرف دوما ما يريد..ايقظ ابنه الاكبر طالبا ان يفتح الباب لخروجهم..امسك بمسبحته..توجه للوضؤ لكنه فضل ان يتوضا في المسجد..دلف هناك متوجها للصف الامامي..امسك بكتاب اوراد صغير..اخذ يتلو بعضا منه بصوت انكره من حوله..كان جسده يتمايل يمينا ويسارا بشكل رايته في بعض الموالد سابقا..صبي صغير يتساءل:كيف لرجل جاوز الستين ان يقرا في كتاب يكاد خطه لا يري بالعين المجردة..صبية في الخلف يتهامسون حول ذلك الذي تقدم صفوفهم..تقاطعت اصوات التواشيح من المساجد المحيطة..صعب ان تعرف ما يقولون لتداخلها وتزاحمها في ان واحد...مازال جسد الحاج مرسي يهتز في اتجاهات شتي..لم يوقف اهتزازه سوي تلك الهمهمات التي ود كثير ممن حوله ان لا تصدر... مسبحته لا تتوقف عن الدوران كعفارب الساعه ...تقدم احدهم لاقامة الصلاة..نظر الامام خلفه عابسا في وجوه الصبية الذين اخلوا بالصفوف..توجه الي القبلة مكبرا..تهيات للصلاة محاولا السكينة..شئ ما اخرجني من ظلال خشوع كنت اوده..سؤال اخذ يقض مضاجع ذهني ..يوقف سريان الايات..تختل لاجله كل مسامات القرب من الضؤ :تري اين اغنامك يا حاج مرسي؟

بقايا شموع

لم يعد غروب الشمس لحظة تنتظر ولا انتظار بزوغ القمر شيئا من رغباتها..جسد نحيل ووجه كسته صفرة الاسي..جفون تهفو لنوم لا ياتي وقلب متحسر علي ايام لم تعد..غرفة ضيقة..اثاث متهالك..اناء فخاري يتسرب الماء منه علي اقدامها المتهالكة..بضع اجهزة كهربائية بالية توقفت منذ شهور عن العمل..معدة فارغة وبطن يتضور جوعا..طفلة تئن..يتحول الانين الي صراخ..الام تهدهدها..تضمها بين ذراعيها ..قبلاتها مازادت صغيرتها الا الما..ثدي فارغ ودموع لا تروي عطش الظمان..تعرف نادية الطريق الي الطبيب ولكنها لاتملك الذهاب..وان ذهبت فلن تشتري الدواء..انفقت اخر ما لديها في علبة الحليب التي لم تستغرق يوما ..كان ثمنها باهظا ..نادية لا تعرف ماذا تفعل..قررت ان تتنازل عن كبريائها..اتصلت بطليقها ..ابو ابنتها..رد بصوت شامت :
تحملي مسئولياتك..ترجو ان لا تتصلي مرة اخري
لكنها ابنتك وابنتي....لقد تركت لك كل شئ..الرحمة قبل.....
اغلق صوت الهاتف..هاتفته مرات ومرات..لا احد يرد
وضعت يدها..حرارة تتزايد..وجه طفلة بلا ملامح..تحول الانين والصراخ الي صمت يستجدي انفاسا معدودة..همت ناديةالي دولابها..ارتدت ملابسها..نظرت الي فلذة كبدها..قبلتها ..انحدرت دموعها علي وجهها ..علمت ان نهر دموع لا يكفي لمسح ما اصابها..اغلقت الباب..خرجت وحيدة..سارت تتمايل مجهدة في شوارع المدينة..نظرات المارة تتبع خطاها..احدهم يدعوها لعشاء فاخر في مطعم قريب..اخر عرض عليها اللقاء في شقته..ثالث لوح ببطاقته البنكية..كان الدواء هاجسها والمعدة تناديها..ذهبت مع اخرهم..جلسا في مطعم فخم..اضواء خافتة..شموع متناثرة..موسيقي هادئة..وجبة لا يعكر صفوها سوي تلك الراقدة في غرفة مظلمة هناك..تمتد يده تحت الطاولة تداعب ما تصل اليه..لم تكن تملك ايقافه ولا مشاطرته فعلته..يقف مبتسما :
ساغسل يدي
مرت دقائق..ساعات...نظراتها حائرة...بدت لها الشموع وكانها حرائق مشتعلة ..راس يدور بلا حراك...الرجل لم يعد..ياتي عامل المطعم مبتهجا :سيدتي من فضلك الحساب111

انكسارات منتصر

استند علي عصاه التي صاحبته منذ سنين..حاول ان لا يشعر بوجود ذلك المرض الذي صادقه طويلا..ارتدي ملابسه التي لم تتبدل مذ صاحبته الام الظهر..داعب اولاده وزوجته قبل الخروج من البيت..تمني حمدان لو قابل بعضا من رفاق ايام عزيزة علي نفسه..مازال الوقت مبكرا فقد يجد بعضهم بعد صلاة المغرب..بدات اعمدة النور في الاضاءة..تبقي منها القليل..هشم الاطفال غالبيتها والبقية ما زالت تنتظر..لم يجد احدا منهم هناك..اخذ طريقه المحاذي لترعة القرية المحدودة الاطراف...رغم اخضرار اوراق الشجر وتلون ازهارها...شعر برائحة كريهة تزكم انفه..صبية صغار يلقون بطيورهم النافقة في الماء الذي توقف عن الجريان..اكوام متراصة من فضلات الطعام علي الجانبين..بضع اطفال يتبادلون ما تيسر من خارج الالفاظ..ود لو انبهم قليلا لولا انه تذكر يوم ان كان مثلهم كان في القرية اماكن تتسع للعب ولتفريغ شئ من طاقاتهم..ما عاد هنالك مكان في المدارس حتي للجلوس.. مضي قدما بعيدا عن الصبية والرائحة الكريهة..اقترب من القهوة الصغيرة..طلب من صاحبها كوبا من الشاي..اتي به متاخرا..متثاقلا..يبدو ان هناك من هم اهم منه في تقديم الخدمة..اشتم رائحة تنبعث من تلك السجائر التي التف حولها بعضا من الشباب..لم يشا ان يعلق وان راي زجاجات خضراء بجوارهم ملقاة علي الارض..قهقهاتهم اجبرته علي مغادرة المكان..احث الخطو نحو مزارع القطن القريبة التي اصابتها الديدان منذ سنوات..جلس القرفصاء..القي بعصاه ارضا..تسلل ضوء القمر قليلا..نظر اليه نظرات لوم لم يفصح عنه وعتاب لم يتلفظ به..تذكر يوم ان كان والقمر صديقين في ليلة ما قبل العبور..تذكر وعد ضؤه بالنصر..صدق وعد القمر..حمدان ورفاقه سطروا ملحمة للعز..عبروا..خرجوا من دائرة النسيان..اكبرهم العالم..قدرهم العدو قبل الصديق..كسروا نوافذ الذل..اعادوا البهجة التي اختفت..استعاد حمدان امجادا صنعها مع غيره..الان لا يري منهم احدا..لا يعرف ما صنعوا احدا..لا يعرف الصغار ما فعلوه في ذلك اليوم..لقمة العيش المبلل بالانكسار لا تمنحه وقتا للحديث حتي عن تلك الشظية التي باغتت قدمه اليمني..حمدان ما عاد يشكو حزنه الا لمن صدق وعده عله يجدد العهد ولو بعد حين.

تواطؤ انثي

اقتربت لحظات اللقيا...سكبت بيديها ما تبقي من زجاجة العطر الباريسية دون شعور برائحتها..موجات من صخب متلاطم في الاذنين لا تمنح الموسيقي الهادئة رغبة الوجود..دوائر من لهب يتساقط تتراءي امام عيونها...اهات مهترئة لم تكد تخرج حتي تعود..جسد يتثاقل ..تزداد حموله كلما اقترب..خرجت من غرفة النوم..ودت لو فتحت نافذة لتهدئ من اختناقها..خشيت ان توضع قيد المساءلة..ودت لو زارتها احدي صديقاتها في هذه اللحظة لكنها تذكرت انه اخذ معه المفاتيح كالعادة..امسكت بهاتفها..مسحت ارقام المتصلين بها سواه ..تسرب الظما الي اعماقها..اتجهت نحو المطبخ..مازال طعام الغداء علي الطاولة يشكو تجاهله في نهاية المساء..اخذت كوبا من ماء لا يروي شيئا مما احست به...خرجت الي صالتها ..مرت مرور الكرام علي عديد القنوات..بدت لها متشابهه..يفتح باب الشقة..لم تكن مؤهلة لان تقرا ملامحه بعد نوبات من اشعارها بالتقصير والنكران..كانت تخشي ان تتورط في مصادمته..بدا سعيدا بهذه الخشية ...اكتفي بكلمات قليله..امسك بيديها نحو الغرفة..شعرت بجليدية جسدها..امسكها بين ذراعيه..ارتعدت خوفا..قربها من صدره..احست بنزلات من احتضار..شعرت بمشروع قبلة حاولت تلاشيها..الضؤ الخافت منحها حق الحديث الصامت اليه:
اعرف انك تجهل فقه الحياة وبلاغة الجسد ومعني اللقاء و رؤي الامان
خشيت ان يتوصل الي ما دار بذهنها..القت بجسدها فوق فراشها المخملي..شعرت بتواطئها..رغبات تمرد محاصر..بركان من كلمات محمومة ودت لو خرجت..نبضات ترتفع عكس عقارب الساعة..كبرياء ينكمش امام اياديه لعابثة..ذاكرة تتقيا وهم ظلال لم تجدها..هنيهات من التحديق في اللاشئ..توقفت العيون..انسدلت الايدي..توارت الذكريات..فاطمة وادت انفاسها ..ربما كي تعيش.

العودة الي النفق

حاملا حقيبته الفارغة الا من بقايا اطعمة اعدتها له زوجته قبل السفر تملاه رغبات الوصول الي ذلك العبق الاسر الذي افتقده منذ سنين..حاول ان يتلاشي ذاكرة هموم رتابة عمله الحكومي المترامي الخيبات ونفايات اوامر لم تتوقف عن تنغيص حياة القت ما فيها وتخلت..لحظات من صمت مرغوب عنده..اصطياد بعض من تثاؤب كان كافيا لديه كي ينعش عينيه برؤية ذلك الميدان العتيق..ما ان توقفت السيارة حتي شعر بروح يقظة تسري في جسده ..وقف امام الجامع الازهر..كانه يراه لاول مرة.. ماذنه ...قبابه.. زواياه .. اعمدته الشاهقة تظل محفورة في مخيلته حتي وان ابتعد عنها عاد بذاكرتة لحكايات شيوخ صمدوا..قهروا..عذبوا..رحلوا..لكنهم ظلوا ملء صدور المقهورين..استرجع حكاما كانوا حين يميل الدهر علي عروشهم يجعلوا من هذا المكان منبرا..كم ثورة..كم هزة..كم محنة شهدها هذا المكان..اسفه ان لا يري بائعو الكتب القديمة علي تلك الاسوار..تمني لو وجدهم فلكم امتلئت مكتبته بما ابتاعوه يوما..نسي اثار السفر المرهق..توجه الي المسجد..حالة من ارتباك احاطت بالمكان.. هالة من اجساد مكتنزة تحيط بزائر لا يكاد يبين..بدا له الدخول محاط بسياج من المهانة..غير خارطة السير..توجه نحو النفق المؤدي الي مسجد الحسين..علي جانبي النفق اناس كهيئة البشر تعلو وجوههم اتربة لا يمنع غبارها سوي غياب الهواء عن ذلك المكان..تكسو ملابسهم بقايا دهون وزيوت ..تنتشر من انفاسهم روائح اطعمة تبعث علي الغثيان..منهم من ينام علي بطنه واخر علي جنبه واخر يمسك بخصللات شعره الممتدة طويلا الي الاكتاف لتلتقي باخري قادمة من ذقنه وكانها حبال ملتفة..يخرج صابر من النفق اخيرا..تنفس الصعداء..ها هو امام مسجد الحسين..قرا الفاتحة قبل الدخول..خلع حذائة..توضا..صلي ركعتين..توجه نحو المقام..رؤس تهتز واخري تتهاوي..ايايدي تمتد نحو الضريح واخري تصطدم..صوت نسوة ودعوات بفك السحر وايقاف الضرر..من خلفه دعوات انتقام من هذا وذاك..امسك بحقيبته خرج مسرعا..توجه نحو تلك الحواري الضيقة..اخذ ينظر في تلك الورش التي كانت تبيع الاواني والانتيكات اليدوية..وجد بضاعتها علي ما بدا له صينية..انتقل الي الجهة الاخري..احتاج الي شئ من راحة..لم يجد مكانا للجلوس علي مقهي الفيشاوي الذي احبه..خرج الي الساحة الرئيسية..اخذ كرسيا علي احد مقاهيها..كانت غالبية الطاولات ممتلئة سوي تلك التي جلس عليها..رمقه عامل المقهي..تقدم نحوه: المشروب بعشر جنيهات يا استاذ 11

ود لو غادر لكنه فضل البقاء..كانت غالبية الطاولات تكتسي باللون الاسود لمنقبات..وجد مرارة حين راي عازفي الكمان يتبتاعون بضاعتهم علي كل طاولة ..ادهشه براعتهم في تقديم ما يطلب منهم وسط اهتزاز لاجساد ظنها لا تعرف الصهيل..احاطت نغمات الموسيقي بتلابيبه..للقهوة طعم ينسي شيئا من عادات النوم..رائحة سجائره تصطدم بذاك البخور الفواح الذي يمر به عدد من حملته علي السائحين من عرب واجانب..لم يتنبه صابر لجلوسها بجواره..سيدة انجليزية..اغتاظ قليللا حين راها واضعة قدميها علي الكرسي المقابل ملقية بظهرها بشكل لم يرقه في هذا المكان...نظر اليها..ابتسمت في وجهه..يبدو انها فهمت ضيقه بجلستها..اعتدلت قليلا..حيته بتحية غير منطوقه..بادلها التحية..سالته عن بعض الاماكن العتيقة القريبة..كان يعرفها جيدا..طلب لها شرابا..طلبت مشروبا كحوليا ..تحسس جيبه.. ليته ما فعل ..حمد الله ان القهوجي اخبرها بانها لا تقدم في هذا المكان..شيئا فشيئا بدا علي كليهما حالة من الارتياح..اخرج حافظة نقوده..دفع حسابهما..استاذن منها متوجها الي الجامع الازهر..صوتها يناديه ..لم يسمعها..لاحقته ممسكة بذراعه..سالته ان كان سياتي لاحقا..يتقدم شخص نحوه: لماذا تخاطبها؟
صابر يشتاط غضبا: من انت

رد بغلظة :شرطة السياحة..تعرف ممنوع التحدث مع الاجانب ام لا؟نظر اليه خجلا منها.. لا يعرف ماذا يقول... لا جدوي من تداول الحوار..اطرق راسه..حمل حقيبته التي كانت فارغة الا من بقايا من طعام قاصدا العودة الي محافظته لكن حقيبته كانت علي ما يبدوممتلئة هذه المرة..

اغتيال فكرة

كانت مهمومة بكثير مما يدور حولها...هي واحدة من القلائل اللائي عرفن العمل الاجتماعي والسياسي في الصعيد..كانت تنتشي كلما حققت نجاح في طريقها ورغم قناعتها بعدم جدوي الحزب الذي قام بضمها اليه الا انها رات فيه وسيلة لخدمة من حولها وان كان ذلك علي حساب قناعاتها الشخصية..ها هي امينة هانم تتجه صوب محطة القطار لحضور اجتماع كانت تعلم انه مجرد دعاية لشئ ما يقوم بها الحزب..كانت حقيبتها خفيفة الوزن ..اخرجت نظارتها من داخلها..امسكت بالجريدة...رات ناظر المحطة..سالته متي ياتي قطار الثانية صباحا..اجابها بشئ من النفور:غالبا في الرابعة..تسللت الضيق الي نفسها..قررت ان تتناول فنجان قهوة..اخذت الكرسي المواجه لرصيف القطار..كان بجوارها سيدة انيقة في الثلاثينيات..دعتها ان تتناول معها القهوة..شكرتها بشياكة..امينة تسالها عن وجهتها..ردت بشئ من الفتور:القاهرة..قالتها دون ارتياح للرحلة..تبادلتا كلمات من هنا وهناك..عرفت امينة ان اسمها راضية رغم ان قسمات وجهها لا تعكس المسمي..صوت صفير القطار..بدات حالة من النشاط تدب في المحطة..بائعو المشروبات والسندوتشات..منادي الجرائد..جنود يرتدون الحلة العسكرية..ضجيج اطفال..اصوات تزداد علوا..زحام علي الرصيف...امينه حملت حقيبتها الصغيرة..كانت في العربة الثالثة..كرسيها هو رقم خمسة..دخلت العربة بصعوبة بالغة جراء المسافرين من حملة الحقائب..نظرت يمينا ويسارا باحثة عن كرسيها..اخيرا وجدته..لوهلتها رات راضية مرة اخري تجلس بجانبها..اهلا ابنتي..راضية بادلتها التحية وهي تخرج محمولها لترد علي مكالمة اتتها في نفس اللحظة..يبدو ان الشبكة سيئة..لم تسمع شيئا..امينة هانم تسالها عن عملها..فوجئت امينة بشئ لم تكن تتوقعه..راضية الانيقة الجميلة والتي ظنتها امراة... انها كفيفة..فقدت بصرها وهي في العاشرة ..لم تري النور منذ الصبا.فوجئت بما هو اكثر..راضية شاعرة واديبة وتعمل في الشئون الاجتماعية..تحكي راضية كيف تمنت لو لعبت علي الرمل ..لو قفزت كرفيقاتها ..لو لعبت كالصغار..لو خاطبها غيرها حديث الهوي لا الشفقة .كان حديثهما مفعما بكل القضايا..راضية تدرك الكثير..تري ما هو اكثر..تعرف منعطفات البلاد وعثراتها..تعرف هموم الشباب..تعرف تقنيات العصر..تعرف ميلاد الحب..تغتال الصمت بكلماتها..شئ واحد لا تعرفه راضية:لماذا لا يفهم الناس الطريق الي جوارحها؟!

القول ما قالت رنيم

كعادتها اخذت تعبث في اوراق ابيها..القت بالنقود ارضا..امسكت بالفلم واخذت تكتب علي يديها..رسمت دوائر علي كفيها..القت الاقلام..اخذت تلف وتدور في جدران الغرفة..داعبت من حولها..ضحكا ولعبا..فراشة تجري هنا وهناك..انها رنيم ذات الاربعة اعوام التي لا يكد تتوقف عن الحديث حتي تحكي في اخر..كان ذلك يوم العاشر من رمضان..تسال ابيها..ابي لم لم تذهب كعادتك للعمل؟يجيبها ضاحكا انها اجازة...تتساءل رنيم ولم هذه ابي"؟لاننا انتصرنا في الحرب..اي حرب ابي؟علي اسرائيل بنيتي..وماذا فعلت اسرائيل؟الاب مبتسما:لانها احتلت الارض ..وماذا فعلنا معهم ابتاه؟هزمناهم ومزقناهم وانتصرنا عليهم..قالها باعتزاز وبنشوة مملؤة بشئ لم تدركة الصغيرة..عادت تقفز هنا وهناك..فتحت التلفاز..جنود هنا وهناك يفتادون اطفالا عزل..يرمون بقنابل مسيلة للدموع..تسال رنيم:ابي ما هذا؟ومن هؤلاء الاطفال؟الاب يجلسها علي قدميه..يقربها منه..يمسك بيديها..رنيم انهم جيوش الاحتلال حبيبتي في فلسطين..يمنعون الاطفال من دخول المسجد الاقصي...ابي :الم تقل اننا انتصرنا عليهم وهزمناهم..كيف عادوا؟

يوميات صعلوك

كثيرا ما افقد لغة الوقت..وقليلا ما انظر الي ساعتي العتيقة..حتي ان تقويم السنة غالبا ما اضعه خلفي لا امامي..لكن هذا لا يمنع انني اعرف ان السنه اثنا عشر شهرا والشهر ثلاثون ويوما والساعة ستون دقيقة..هكذا علمني الشيخ عثمان حينما كنت صغيرا..وهو كثيرا ما عاني بعصاه الصغيرة في تعليمي جدول الضرب..لا انكر انه علمني الضرب اكثر من الجدول نفسه..ما يهمني ان ذاكرتي نشطت قليلا بعد كم من ضربات الزهيمر المتتالية..تذكرت يومها تلك اسيدة التي كانت تستر تسير في وسط البلد..كانت ترتدي ملابس فلاحة مصرية اصابها الفقر المدقع..لكنها اختلفت في اشياء بسيطة وهي ان شعرها الاشقر كان يتدلي علي جنباتها وعيونها الخضر كانت ترتسم عليها ملامح الغرب..كانت تجلس علي الرصيف وفي عيونها حيرة..نظرت اليها نظرة من اراد ازالة الحيرة من عيونها ونظرة المتعجب قليلا من كينونتها...لم اكد افكر حتي نادتني..كانت كلماتها بالفرنسية..ازعم ان علاقتي بالفرنسية لا تزيد عن علاقتي بالحزب الوطني..لكني في النهاية كنت قادرا علي استيعابها ..سالتني عن مكتب في شارع الجمهورية..اجابتها بالانجليزية بانه في مكان قريب..شعرت برغبتها في مرافقتي..لا باس..مررنا علي احد المقاهي الشعبية..دعوتها لشراب شئ ما..وافقت علي الفور..كان صوتها هادئا..وكانت كمن يشعر بارتياح لصحبتي..حدثتها عن بلادنا..كنت حريص علي ان ابدي لها كم ما لدينا من رقي وحضارة وتاريخ وثقافة..انتهينا من شراب القهوة..سرنا في شارع طويل..حكيت لها عن طيبة شعبنا وقيمه ومثله..كان امامنا علي الرصيف المجاور كم غير قليل من القمامة.وددت لو غيرت الطريق لكني لم اعرف سواه..لم تعلق بشئ.. وصلنا الي المكتب..طلبت مني الانتظار لدقائق..انتظرت..سرعان ما عادت..لم اسالها عما كانت تفعل او ماذا تريد..اخبرتني عن رغبتها في زيارة اسوان والاقصر والغردقة وشرم الشيخ...اعطيتها فكرة عن هذه الاماكن وعن الاسعار وعن طبيعة المواصلات..سالتني عن عملي..اخبرتها بانني مترجم ..قالت ماذا لو طلبت مني ان اقوم بدور المرشد السياحي في مقابل مادي.. كان وقتها ما في جيبي ما يكفي فقط لاعادتي الي بيتي..وافقت......قمت بالحجز لنا في القطار المؤدي الي اسوان ..اتممت الحجز..كانت اسوان ا كعادتها عروس تتالق امام الفادمين..وكانت ترتدي حلة الماضي والحاضر ..انبهرت كثيرا..ودت لو قضت عمرها كله فيها..انتقلنا للاقصر حيث المعابد التي خلقت لتبقي ..من هناك انتقلنا للغردقة..مدينه تغسل ما تبقي من تلوث باقي المدن.. امضينا وقتا علي شواطئها وجزرها من الصعب تكراره..انتقلنا الي شرم.كنت اشعر بانني غريب فيها..لكنها كانت سعيدة بها..كنت احاول دوما ان اكون انا ..حرصت علي اشعارها بعدم رغبتي في استغلالها كما يفعل الكثيرين عند مرافقة الاجانب..عدنا الي القاهرة..حجزت لها علي اقرب طائرة الي باريس..عندما وصلنا للمطار..سالتني وفي عينيها نفس الحيرة التي كانت تعتلي وجها اول مرة..الست انا جميلة؟اجبتها نعم؟الست انا جذابة؟قلت اكثر من ذلك؟فالت الست انا ملفتة لنظر الرجل؟اجبتها نعم..........سالتني ان كنت انا كذلك فام لم تشعرني طوال الرحلة بانني كذلك...قالت بانها تعلم ان الشرقي ما هو الا زير نساء..لا تجري في دمائه سوي لغة الجسد..فلماذا لم تكن كذلك...اخبرتها بانني لست هذا الرجل الذي يمتطي صهوة لذته..ولا من يشتري الرغبة..ولا من يبتاع العشق....اجابتني لكنك رجل شرقي..اجبتها نعم انا كذلك سيدتي..انا ذلك الشرقي الذي بني حضارات واضاء كون ورسم له كيان عبر تاريخة..انا مزيج من حضارات امم وثقافات شعوب وابتكارات عصور زاهية..سيدتي اعلم انك فاتنة.. لكني ايضا اعلم بان ما دار في راسك لم يكن كافيا لتفهمي الشرقي كما يجب ان يفهم..مدت يدها..كلنت مصافحة دافئة..رايت في وجناتها شئ لم اره من قبل..مدت لي ظرفا صغيرا..قالت لي بانه مكافاة نهاية الرحلة..شكرتها..اعدته اليها برفق..سارت الي اامام ببطء..كنت اطلب لها السلامو..لم تكد تخطو قليلا حتي عادت..كانت كمن يقول شيئا..لم اسمعها..مدت يدها مرة اخري..كانت مصافحة بطعم العناق..سحبت يدي ببطء..اسمع صوتا ينادي بسرعة المغادرة..اشعلت سيجارتي..طلبت مني ان تتهيا للرحيل..حملت حقيبتها الصغير..نظرت الي خلف..قررت ان لا انظر الي عينيها فانا اكره الوداع.....كانت تنظر للوراء كما شعرت الا انني لم اشا ان افعل..لوحت بيدي.. واخرجت سيجارة اخري من علبتي...الغريب ان السيجارة الاولي لم تكن قد انتهت..نظرت الي ساعتي وانا لم اعتد النظر اليها كثيرا..نعم الوقت متاخر..لابد من العودة..الطريف انني لم اعرف كم الساعة بعد النظر اليها..وقتها تذكرت الشيخ عثمان الذي كان يعلمنا ان اليوم اربع وعشون ساعة والساعة ستون دقيقه..والدقيقة....ثانية

وتلاطمت امواج الكبرياء

رايته في ملابسه الرثة التي علاها اكوام الاتربة التي ينؤ بها العصبة ..كان وجهه هزيلا..وعيناه غائرتان..وعلي جبينه ترتسم هموم تجاعيد السنين..جلس علي الارض التي كانت مكسوة ببقايا رماد وزيوت لم اعرف كيف اتت الي هذا المكان..اخرج من جيبه علبة الكبريت التي تصاحبه اينما حل..اخذ يستجمع بعضا من حطام اخشاب محيطه به..اشعل عود ثقاب في كومة الخشب التي امامه..امسك ببراد الشاي الذي اصابه الصدا..دعاني لتناول الشاي معه..كنت سعيدا بالدعوة لانني شعرت بان ما يصنعه عم سيد من شاي لا تقدمه فنادق الخمس النجوم..كما ان الحديث معه يشعرني بان الدنيا مازالت بخير...بدات النار تخبو قليلا..رايته وهو يستجمع قواه لينفخ فيها..حمدا لله بدا اللهب يزداد كلما ازدادت معه كحات العم سيد..امسك بكوب امامه كانت تغطيه بقايا رمال..قام من جلسته قائلا ساغسل لك الكوب يا استاذ..اقسمت عليه انا لا يفعل..لم اري من اللائف ان يقوم بهذه المهمة وقد جاوز السبعون عاما كما انتي تربيت علي احترم من يكبرني واقدر العمر....اخذت منه الكوب وذهبت الي الزير المجاور ...قمت بتنظيف ما تيسر لانه لم يكن كوبا عاديا وانما من بقايا ما تركه المقاول السابق الذي كان يعمل معه العم سيد..كم هي نكهة جميلة ان تشرب الشاي من يدي ذلك الرجل..امسك ببراد الشاي وبطريقته المعهودة رفعه الي اعلي واخذ يصبه ..تناثرت بعضا منه علي الارض..وصوت الشاي المغلي يعطي نغمات لا يسطع عزفها سوه..مد الي بالكوب..كرهت ان اشرب قبله....اقسم ان ان اشرب مبررا انه يحب الشاي الذي هو في قاع البراد لان فيه مذاق خاص..شعرت بلذة عند تناوله..عم سيد كم تاخذ مرتبا مقابل عملك كغفير لهذا البناء..ضحك ضحكة فيها من السخرية ما يكفي لان اتناسي السؤال..شعرت بانه يريد قول شئ ما..كان الجو ليلا والبرودة لا يمحوها الا دفء كلماتنا وبفايا نار اوشكت علي الرحيل...قال العم سيد يا استاذ والله لو عرفت ما احصل عليه لمت كمدا..الا تعرف انني واحد ممن اسرو في حربين في 56 و67..الا تعرف ما معني ان تخوض حربين وان تمتحن في كرامتك وعزتك وادميتك ووطنيتك..وضعت الكوب ارضا..عم سيد مهلا..قاطعني يا استاذ عندي خمس من الابناء وزوجة مريضة وثلاث فتيات لا اسطع ان اجهز واحدة منهن..عندي بيت مازال بالطوب اللبن ..عندي امراض لا اجرؤ ان اذهب لطبيب لاني لا املك العلاج..العم سيد لم يكن يتحدث بصفته الشخصيه..شعرت بكبريائه وهو يتحدث بلغة هي اقرب للغة الجماعة..ما عليك استاذي اشرب شايك..احكي لي عم سيد ماذا حدث معك في الاسر...عم سيد بعد بضع هنيهات من الصمت المصحوب بالسعال قال لي بانه لا ينسي يوما انهم كانو يضعونهم قي غرف مملؤة بالماء ..كان الماء يصل الي رقابهم..فهم لم يكونو ليستطيعوا النوم ولا ان يفاموا الوقوف..كان تعذيبا يزداد بمنع الطعام والشراب...حكي لي عن مقتل احد رفاقه حين اصابه الوهن وهم باخذ لقيمات تقيم صلبه..حينذاك اطلق عليه جندي ثلاث طلقات اردته قتيلا كي يكون عبرة للجائعين..يحكي عم سيد كيف كانت تربط ارجلهم بحبال الكتان وكيف كانوا يعلقون علي الجدران..عم سيد اشرب شايك ..ها هو ذا قاع البراد ينتظرك.. صببته له..لكنه لم يكن يابه بشرابه ..عم سيد اي شئ تتمني ..اجابني..انا اريد غير الستر..غير عمل يدر دخلا ثابتا..اريد ان اشعر بانني قد قدمت شيئا لهذا البلد..انا حاربت وهم ارتدوا حلة النصر..انا اسرت وهم تقلدوا اماكن اولادي..انا حملت سلاحا وهم حملوا كئوس الطلي..انا اعمل غفيرا منسيا وهم تقلدوا المناصب..ولدي والله لا احقد علي احد ولا اكره النعماء لاحد..كل ما اريده لقمة عيش كريمة..عم سيد ما رايك اساعدك بشئ ما..هو قليل..اعلم ذلك....قاطعني لا لا استاذي ..انا لا اتحدث عن نفسي انا واحد من كثيرين...ليتني احيا لاري نفسي وهم معي مكرمين في هذا البلد...انساب كوب الشاي علي الارض ..القي العم سيد راسه علي التراب..... تسرب النوم الي عينيه ..وقفت امامه وودت لو لو كان مستيقظا حتي اقدم له تحية عسكرية تليق به لكنه لم يفعل..عم سيد يعرف الكثير رغم انه يسكن جلبابه الرث بعمامته التي لم تعرف منذ اسابيع طريقا لنظافنها من الرمل والاسمنت والجير الذي يقوم بحراسته وهو الذي كان يوما يحرس وطنا

علبة كبريت

كانت زيارته الشهرية لام مسعد لها من الازهاصات ما يجعلها تتعجل وصوله..اما بالنسبة للاستاذ العوامي فهي زيارة جديرة بالقاء كثير مما اصابه من صدا جرا ء مشاغل الدنيا او الانشغال بها..ام مسعد الوصول اليها صعب هي في منظقة لم يسمع عن اسم لشوارع فيها ولكن من الممكن الاسترشاد ببعض الاشياء المؤدية اليها ...قبل الوصول اليا ستري اكوام القمامة ترتفع يوما بعد يوم يقابلها من الجهة الاخري جيوش من الحشرات والفئران والقطط...العجيب ان الفئرئان اكبر حجما من القطط...صوت نباح الكلاب لا يتوقف..عربات تجرها الحمير..عوادم السيارات ترسم بظلالها الكئيبه لونا قاتما علي جدران مساكن الايواء في امبابة..هنالك تقطن ام مسعد علبة كبريت..نعم ..نعم..انها فعلا علبة كبريت..مساكن الايواء هي غرفة لكل اسرة..حمام مشترك لكل طابق..ام مسعدتقطن علبة كبريت في بدروم مساكن الايواء..البدروم به عشرات الغرف متوازية..تنتهي الي حمام له شبه باب..ام مسعد تحيط بابنائها الذين يصعب عدهم..مسعد ينام بجوارها علي السرير..عصام علي الارض المبتله ببقايا صرف غير صحي..بناتها اللائي طلقن واولادهن ينمن تحت السرير..التنفس اهم امنيات ام مسعد....صوت اطفال تئن علي بفايا من طعام..صوت خطوات لا تنقطع جيئة وذهابا....ابخرة تتصاعد من موقد ام مسعد المتهالك..الكل ينتظر قدوم الاستاذ العوامي...العوامي لا ياتي الا ومحملا باكياس الدقيق والارز والسكر ..يده تعرف ما يحتاجون..لا ينظرون اليه كمحسن وانما كواحد مسئول عنهم رغم معرفته اللاقديمة بهم وبظرفهم..البنت الصغري نادت ..عمو..عمو..دخل كعادته محاطا برحابة اللقيا..ام مسعد كيف هم اولادك
حمدا لله قالتها مصحوبة بالاسي....مسعد زي ما هو من البيت للقهوة من يوم ما اخد الدبلوم...عصام عايز يتزوج البنت اللي هناك..صبحي بيشتغل في الفرن..البنات زي ما انت شايف..منهم من طلق ومنهم من تنظر...دوشتك يا استاذ..افتح التلفزيون يا مسعد....فرح العوامي بتشغيل التلفزيون كي يستريج من عناء هموم ما شعر به..لا باس نشرة الاخبار...يا رب خير..اخبار سارة هكذا قال المذيع..انها اخبار تتحدث عن وضع خطط حاسمه وقويه لحل مشكلات الاسكان والتلوث و لرشوة والفساد والشباب...سعيدة ام مسعد بالاخبار...اولادها لم يتنبهو لما سمعت..العوامي يحسدها علي فرحتها وتصديقها..اخرج شيئا من محفظته ..مده لها.. امسكت به...خرج العوامي مسرعا مارا بالغرف المتوازية وسط بركة ماء تؤدي الي حمام تستطع ان تري من بداخله دون جهد يذكر...حاول العوامي ان يتجنب النظر الي من حوله وخاصة ان روائح عديدة زحفت الي انفه..نواح اطفال..اهات تسمع وتختفي ..فرقعات تتزايد..احذية تتقاذف...هو نفسه لا يعرف كيف صدقت ام مسعد الاخبار

عناق ما لا يجئ

كانت تساوره الحيرة..تتقاذفه امواج القلق..مراجل هم تحيطه..كل ذلك وهو امام بيته الكون من طابقين..بيته نعم حصيلة ما حصل عليه من جراء سنين الشقاء التي قضاها وما يزال في عمله كمعلم في المرحلة الثانوية مدرسا لمادة الرياضيات...لم تستطع تلك الخضرة المحيطة بمنزله ان تخفف من زخم ذكريات زاحمته وهو يستعيد اشياء كثيرة...اعادت الي ذهنه قصة بناء منزله الذي صدر قرار بهدمه لانه لم يستخرج تصريحا لبنائه ..تذكر كيف اتت الجرافات لتحوله الي بضع اكوام من التراب وكانت تمر علي منزل اخر له ستة طوابق تم بنائه في نفس الوقت ورغم ان الاخير قد صدرت احكام بهدمه تجاوزت التسعين قرارا..لكن الجرافات مرت عليه بردا وسلاما...حمد الله ان اعاد البناء مرة اخري وحمد الله اكثر ان لديه ما يستحق البهجه..فاولاده ينعمون بقدر من التكوين ما يجعلهم افضل من غيرهم..هو اول من ادخل الكمبيوتر في فريته وهو يعرف بخصال جعلت منه معلما ملاذا لكثير ممن عرفوه..نادي ابنته الصغري شيماء بسرعة احضار الشيشة التي طالما كانت مثار جدل بينه وبين اسرته..استعاد ذاكرة لم تكد تختفي حتي تعود تذكر يوم ان حصل علي الثانوية العامة منذ اكثر من خمس وعشرون عاما حينها كان بيت الاسرة القديم مكتظا بالمهنئين والمباركين وتناثرت اعيرة نارية معلنة وجوب الفرحة..اليوم هو ينتظر فرحة اكبر..ليتها تاتي..انه الابن الاكبر احمد..خلاصة ما تمني ..احمد ذلك الفتي الصغير الذي حفظ القران منذ ان كان في الرابعة عشر..كان شديد التعلق بجهاز الحاسب الذي اشتراه له ابوه..تعلم الكثير..كانت نابها رغم ما احاط به تعثر زملائه..واليوم يوم مختلف..نتيجة الثانوية العامة اقتربت من الاعلان..الاسرة اعلنت حالة الانتظار..ابو احمد يشتعل تبرما بتاخر ظهورها..الام تستنشق رائحة الطب لابنها في حذر..محمد اخو ه الاصغر يترقب لاهيا في الامساك بدراجته كي يتلقي البشري من اعمامه..ابو احمد لايلقي بالا للنار المشتعلة في شيشته..انه الانتظار..دق الهاتف...خيرا خيرا..انها البشارة..الو..الو...لا لا..النمرة خطا سيدي..القي ابو احمد هاتفه ارضا....شعر باختناق..اولاده يحيطون به..تمني عليهم ان يتركوه وحيد..تلكا الاولاد في الابتعاد..امسك بمبسم شيشته..النار توقفت عن الاشتعال امامه..لكنها انتقلت الي صدره....تري هل يتحقق ما تمناه يوما..هل يسطع احمد ان يفعلها..وهل امنية الطب اشد وطئا مما عليه ذلك الولد الشفي كما كان يحلو له ان يسميه..لا لا احمد لها ان شاء الله..تذكر يوم ان كان مدير مدرسة احمد الابتدائية يضع صورته امامه اعجابا بقدراته وعلي مكتبه..يبدو ان الوقت توقف...الهاتف..مرة اخري..ابو احمد لا يرد..امسكت زينب بهاتف ابيها...زينب تصرخ..خيرا خير..خيرا زينب ما بكي...احمد..احمد تسعة وتسعون درجة نصف..ابو احمد يحاط بهالة من العناق ..الاولاد والبنات يصيحون..محمد الابن الاصغر يجري صوب دراجته ليبشر اعمامه..لم يعرف عبدالرحيم ابو احمد كيف تسرب الخبر ا الاعمام اتو جميعا..احمد ..احمد..اول طبيب في العائلة..ابو احمد يتعجل الشربات..زينب تتلكا..صناديق المشروبات تتوالي من الاعمام..ابو احمد يستعيد الذاكرة يوم ان كان البيت مكتظا عند حصوله علي الثانوية العامة..المؤكد ان اليوم لن يقل الاكتظاظ..صناديق المشروبات تنتظر المهنئين..الاعمام ينتظرون التهاني..الوقت يمر..ما بالهم لا ياتون..ليس هذا موسم حصاد ولازرع..ليس لديهم ما يشغلهم....الكل يترقب القادمون....الوقت يمر ثقيلا...اخذ الاعمام في الخروج واحدا تلو الاخر..ابو احمد مازال ينتظر.....صوت ياتي من الخارج..احمد..احمد..احضري المشروبات زينب...هاهم ياتون..نعم معم انه العم زكي...اهلا عم زكي..ربنا يكرمك ابو احمد..والله انا اعزك ابو احمد ولك قدرك عندي..ابو احمد اهتز فرحا بما قال..عم زكي استدار خلفا ونظر الي شيشة ابو احمد قائلا:عندي ضيوف ..اتمني لو اعطيتني الشيشة بعضا من الوقت1