الثلاثاء، 23 فبراير 2010

العودة الي النفق

حاملا حقيبته الفارغة الا من بقايا اطعمة اعدتها له زوجته قبل السفر تملاه رغبات الوصول الي ذلك العبق الاسر الذي افتقده منذ سنين..حاول ان يتلاشي ذاكرة هموم رتابة عمله الحكومي المترامي الخيبات ونفايات اوامر لم تتوقف عن تنغيص حياة القت ما فيها وتخلت..لحظات من صمت مرغوب عنده..اصطياد بعض من تثاؤب كان كافيا لديه كي ينعش عينيه برؤية ذلك الميدان العتيق..ما ان توقفت السيارة حتي شعر بروح يقظة تسري في جسده ..وقف امام الجامع الازهر..كانه يراه لاول مرة.. ماذنه ...قبابه.. زواياه .. اعمدته الشاهقة تظل محفورة في مخيلته حتي وان ابتعد عنها عاد بذاكرتة لحكايات شيوخ صمدوا..قهروا..عذبوا..رحلوا..لكنهم ظلوا ملء صدور المقهورين..استرجع حكاما كانوا حين يميل الدهر علي عروشهم يجعلوا من هذا المكان منبرا..كم ثورة..كم هزة..كم محنة شهدها هذا المكان..اسفه ان لا يري بائعو الكتب القديمة علي تلك الاسوار..تمني لو وجدهم فلكم امتلئت مكتبته بما ابتاعوه يوما..نسي اثار السفر المرهق..توجه الي المسجد..حالة من ارتباك احاطت بالمكان.. هالة من اجساد مكتنزة تحيط بزائر لا يكاد يبين..بدا له الدخول محاط بسياج من المهانة..غير خارطة السير..توجه نحو النفق المؤدي الي مسجد الحسين..علي جانبي النفق اناس كهيئة البشر تعلو وجوههم اتربة لا يمنع غبارها سوي غياب الهواء عن ذلك المكان..تكسو ملابسهم بقايا دهون وزيوت ..تنتشر من انفاسهم روائح اطعمة تبعث علي الغثيان..منهم من ينام علي بطنه واخر علي جنبه واخر يمسك بخصللات شعره الممتدة طويلا الي الاكتاف لتلتقي باخري قادمة من ذقنه وكانها حبال ملتفة..يخرج صابر من النفق اخيرا..تنفس الصعداء..ها هو امام مسجد الحسين..قرا الفاتحة قبل الدخول..خلع حذائة..توضا..صلي ركعتين..توجه نحو المقام..رؤس تهتز واخري تتهاوي..ايايدي تمتد نحو الضريح واخري تصطدم..صوت نسوة ودعوات بفك السحر وايقاف الضرر..من خلفه دعوات انتقام من هذا وذاك..امسك بحقيبته خرج مسرعا..توجه نحو تلك الحواري الضيقة..اخذ ينظر في تلك الورش التي كانت تبيع الاواني والانتيكات اليدوية..وجد بضاعتها علي ما بدا له صينية..انتقل الي الجهة الاخري..احتاج الي شئ من راحة..لم يجد مكانا للجلوس علي مقهي الفيشاوي الذي احبه..خرج الي الساحة الرئيسية..اخذ كرسيا علي احد مقاهيها..كانت غالبية الطاولات ممتلئة سوي تلك التي جلس عليها..رمقه عامل المقهي..تقدم نحوه: المشروب بعشر جنيهات يا استاذ 11

ود لو غادر لكنه فضل البقاء..كانت غالبية الطاولات تكتسي باللون الاسود لمنقبات..وجد مرارة حين راي عازفي الكمان يتبتاعون بضاعتهم علي كل طاولة ..ادهشه براعتهم في تقديم ما يطلب منهم وسط اهتزاز لاجساد ظنها لا تعرف الصهيل..احاطت نغمات الموسيقي بتلابيبه..للقهوة طعم ينسي شيئا من عادات النوم..رائحة سجائره تصطدم بذاك البخور الفواح الذي يمر به عدد من حملته علي السائحين من عرب واجانب..لم يتنبه صابر لجلوسها بجواره..سيدة انجليزية..اغتاظ قليللا حين راها واضعة قدميها علي الكرسي المقابل ملقية بظهرها بشكل لم يرقه في هذا المكان...نظر اليها..ابتسمت في وجهه..يبدو انها فهمت ضيقه بجلستها..اعتدلت قليلا..حيته بتحية غير منطوقه..بادلها التحية..سالته عن بعض الاماكن العتيقة القريبة..كان يعرفها جيدا..طلب لها شرابا..طلبت مشروبا كحوليا ..تحسس جيبه.. ليته ما فعل ..حمد الله ان القهوجي اخبرها بانها لا تقدم في هذا المكان..شيئا فشيئا بدا علي كليهما حالة من الارتياح..اخرج حافظة نقوده..دفع حسابهما..استاذن منها متوجها الي الجامع الازهر..صوتها يناديه ..لم يسمعها..لاحقته ممسكة بذراعه..سالته ان كان سياتي لاحقا..يتقدم شخص نحوه: لماذا تخاطبها؟
صابر يشتاط غضبا: من انت

رد بغلظة :شرطة السياحة..تعرف ممنوع التحدث مع الاجانب ام لا؟نظر اليه خجلا منها.. لا يعرف ماذا يقول... لا جدوي من تداول الحوار..اطرق راسه..حمل حقيبته التي كانت فارغة الا من بقايا من طعام قاصدا العودة الي محافظته لكن حقيبته كانت علي ما يبدوممتلئة هذه المرة..

ليست هناك تعليقات: