الثلاثاء، 23 فبراير 2010

مغامرات يائسة

وسط كل هذا الزخم الهائل من المشاغل لم اكن لاتناسي لحظة وصوله ولا موعد عودته ولا تاريخ الرحلة القادمة من لندن..من الصعب ان تتلاشي ذاكرتي مولد علاقة ربطتني باحد..اتذكره يوم ان كان ملء السمع والبصر في الجامعة..يوم ان كان قبلة المتعثرين من زملائه..اتذكر ابتسامته حين كنا نتشاطر كوب العصير واستيلائه علي سندوتشاتي وترقب نومي للخروج بملابسي..اتذكره ضاحكا عندما احكي له اخر النكات التي لا اجيد عرضها..ربما كان يضحك علي سخافة عرضي لها..لا ادري..تذكرته وقد فرحت اسرته بتخرجه معيدا في ادارة الاعمال..كانوا في انتظار لحظة انتشالهم من حال الي ما هو افضل...حاول ان يفعل شيئا..دون جدوي ..اقتضت دراسة الماجستير ان يلجا لاسرته المترقبة لحظات الخلاص..رشحه اساتذته لدراسة الدكتوراه في اكسفورد..اسم الجامعة وحده كان كفيل بان يراه ابوها اهل لمصاهرته..لم يكن ذلك الا في ذهنه..عاد منكسرا حين كان الرفض مدويا ومكبلا بطلبات لا يستطعها..سافر هناك..بعد شهور قليلة كانت الاستقالة من الجامعة تكوي عظام والديه..لم ينقطع عنهم ولم يتخلي عن تقديم ما استطاع لهم..تزوج منها..كانت تكبره بعشر سنوات..راسلني وقتها معللا ما لاقاه من خيبات وما اصابه من وهن..لم احزن لارتباطه بها قدر حزني علي انه لم يدع لنفسه فرصة لعلاقة حميمية تحميه من لظي الابتعاد عن الارض التي لم تفارقه..لم اشا ان ادير طبول اللوم عليه لان لديه ما كان يكفي من الاخرين..تحسنت حالته الماديه ..ظل علي تواصله مع اصدقائه في مصر..توقف عن الدكتوراه..عمل في احد البنوك..رزق بطفلتين..هو الان علي موعد مع الارض التي لم تفارقه يوما في يقظته ومنامه...اعلمني انه سيخرج من صالة كبار الزوار..سررت لذلك رغم اني لم اعرف بعد معني المصلح.
تعودت لحظات الانتظار ان اشغلها باشعال سيجارتي وتناول القهوة..باغتني بما كان يفعله قديما حينما كان يطلب مني الرد علي الهاتف في الدكان المجاور لنا ويتناول قهوتي..كنت اعرف انني لم اكن اشغل بال احد كي اطلب لكنني كنت احب ان اصدق كذبه..اخذ فنجاني من جديد لكن لم ينل منه شيئا لان عناقنا الطويل امتد لتختم القهوة علي ملابسه التي لم الحظ عليها ما كنت اتخيله من تغير عليه...كانت لحظة حانيه اعادت لنا حكايات قديمة ومغامرات يائسة وضكات غير مبررة وصخب في غير موضعه..لم نحكيها نطقا وانما هي لقطات سريعة مرت علي كل منا...بعد سنوات ها هو ذا....نعم هو نفسه الا غياب ابتسامته..فقدانه بريق عينيه..انفراط ملامحه..تعبيرات وجه منكسر..لم اطل النظر اليه..نظرت الي زوجته مرة اخري..كانت انيقة..متوترة..تجاعيد وجهها كخيوط الكتان المحيطة باعشاب برية..نحيلة كنخلة بيتنا المنحنية ..لم اكن ارغب في تعداد عروقها التي انتصبت وهي تنهر طفلتها لابتعادهما..شعرت بتبرمه من تساقط شعرها الذي شهدت عليه الطاولة..نظرت اليه مرة اخري..بين شفتيه كلمات لم اسمعها..فقد توقفت عن قراءة ماهر رفيق غرفة السطوح التي هدمت عن بكرة ابيها في اخر زلزال اصاب مصر.

ليست هناك تعليقات: