الثلاثاء، 23 فبراير 2010

وتلاطمت امواج الكبرياء

رايته في ملابسه الرثة التي علاها اكوام الاتربة التي ينؤ بها العصبة ..كان وجهه هزيلا..وعيناه غائرتان..وعلي جبينه ترتسم هموم تجاعيد السنين..جلس علي الارض التي كانت مكسوة ببقايا رماد وزيوت لم اعرف كيف اتت الي هذا المكان..اخرج من جيبه علبة الكبريت التي تصاحبه اينما حل..اخذ يستجمع بعضا من حطام اخشاب محيطه به..اشعل عود ثقاب في كومة الخشب التي امامه..امسك ببراد الشاي الذي اصابه الصدا..دعاني لتناول الشاي معه..كنت سعيدا بالدعوة لانني شعرت بان ما يصنعه عم سيد من شاي لا تقدمه فنادق الخمس النجوم..كما ان الحديث معه يشعرني بان الدنيا مازالت بخير...بدات النار تخبو قليلا..رايته وهو يستجمع قواه لينفخ فيها..حمدا لله بدا اللهب يزداد كلما ازدادت معه كحات العم سيد..امسك بكوب امامه كانت تغطيه بقايا رمال..قام من جلسته قائلا ساغسل لك الكوب يا استاذ..اقسمت عليه انا لا يفعل..لم اري من اللائف ان يقوم بهذه المهمة وقد جاوز السبعون عاما كما انتي تربيت علي احترم من يكبرني واقدر العمر....اخذت منه الكوب وذهبت الي الزير المجاور ...قمت بتنظيف ما تيسر لانه لم يكن كوبا عاديا وانما من بقايا ما تركه المقاول السابق الذي كان يعمل معه العم سيد..كم هي نكهة جميلة ان تشرب الشاي من يدي ذلك الرجل..امسك ببراد الشاي وبطريقته المعهودة رفعه الي اعلي واخذ يصبه ..تناثرت بعضا منه علي الارض..وصوت الشاي المغلي يعطي نغمات لا يسطع عزفها سوه..مد الي بالكوب..كرهت ان اشرب قبله....اقسم ان ان اشرب مبررا انه يحب الشاي الذي هو في قاع البراد لان فيه مذاق خاص..شعرت بلذة عند تناوله..عم سيد كم تاخذ مرتبا مقابل عملك كغفير لهذا البناء..ضحك ضحكة فيها من السخرية ما يكفي لان اتناسي السؤال..شعرت بانه يريد قول شئ ما..كان الجو ليلا والبرودة لا يمحوها الا دفء كلماتنا وبفايا نار اوشكت علي الرحيل...قال العم سيد يا استاذ والله لو عرفت ما احصل عليه لمت كمدا..الا تعرف انني واحد ممن اسرو في حربين في 56 و67..الا تعرف ما معني ان تخوض حربين وان تمتحن في كرامتك وعزتك وادميتك ووطنيتك..وضعت الكوب ارضا..عم سيد مهلا..قاطعني يا استاذ عندي خمس من الابناء وزوجة مريضة وثلاث فتيات لا اسطع ان اجهز واحدة منهن..عندي بيت مازال بالطوب اللبن ..عندي امراض لا اجرؤ ان اذهب لطبيب لاني لا املك العلاج..العم سيد لم يكن يتحدث بصفته الشخصيه..شعرت بكبريائه وهو يتحدث بلغة هي اقرب للغة الجماعة..ما عليك استاذي اشرب شايك..احكي لي عم سيد ماذا حدث معك في الاسر...عم سيد بعد بضع هنيهات من الصمت المصحوب بالسعال قال لي بانه لا ينسي يوما انهم كانو يضعونهم قي غرف مملؤة بالماء ..كان الماء يصل الي رقابهم..فهم لم يكونو ليستطيعوا النوم ولا ان يفاموا الوقوف..كان تعذيبا يزداد بمنع الطعام والشراب...حكي لي عن مقتل احد رفاقه حين اصابه الوهن وهم باخذ لقيمات تقيم صلبه..حينذاك اطلق عليه جندي ثلاث طلقات اردته قتيلا كي يكون عبرة للجائعين..يحكي عم سيد كيف كانت تربط ارجلهم بحبال الكتان وكيف كانوا يعلقون علي الجدران..عم سيد اشرب شايك ..ها هو ذا قاع البراد ينتظرك.. صببته له..لكنه لم يكن يابه بشرابه ..عم سيد اي شئ تتمني ..اجابني..انا اريد غير الستر..غير عمل يدر دخلا ثابتا..اريد ان اشعر بانني قد قدمت شيئا لهذا البلد..انا حاربت وهم ارتدوا حلة النصر..انا اسرت وهم تقلدوا اماكن اولادي..انا حملت سلاحا وهم حملوا كئوس الطلي..انا اعمل غفيرا منسيا وهم تقلدوا المناصب..ولدي والله لا احقد علي احد ولا اكره النعماء لاحد..كل ما اريده لقمة عيش كريمة..عم سيد ما رايك اساعدك بشئ ما..هو قليل..اعلم ذلك....قاطعني لا لا استاذي ..انا لا اتحدث عن نفسي انا واحد من كثيرين...ليتني احيا لاري نفسي وهم معي مكرمين في هذا البلد...انساب كوب الشاي علي الارض ..القي العم سيد راسه علي التراب..... تسرب النوم الي عينيه ..وقفت امامه وودت لو لو كان مستيقظا حتي اقدم له تحية عسكرية تليق به لكنه لم يفعل..عم سيد يعرف الكثير رغم انه يسكن جلبابه الرث بعمامته التي لم تعرف منذ اسابيع طريقا لنظافنها من الرمل والاسمنت والجير الذي يقوم بحراسته وهو الذي كان يوما يحرس وطنا

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
Unknown يقول...

تحيه تقدير لمن يفكرنا بالرجال
فلقد شبعنا حتى نريد ان نرجع من كثره انصاف الرجال

تحيه عزه وشموخ الى عم سيد وكل عم سيد ذاق
الالم وشعر به وعاش ايام الاهانه فى الاسر
مثله ينصب فى اماكن لا يصل لها الا اعناق الرجال وقليل ما هم

اين من يمتلكون المليارات وينفقونها على العاهرات
من يكون عز او غيره بجوار عم سيد المقارنه فيها اهانه لعم سيد

اين هم من تعج الصحف والقنوات بقضاياهم المشينه
قتل وسرفه وعربده وحكايات قذره تزكم الانوف اين هم
من عم سيد معذره عم سيد انا اقارن بينك وبين هولاء

انت ياعم سيد وسام على الصدر وهم حديده اسفل النعل

ما اطيبك عم سيد واطيب رائحتك وما اطيب الجلوس معك
فى كوخك الخشبى فهو اطهر وانظف من قصورهم جميعا

تحياتى استاذ زيدان شعرت انى كنت معك
وشربت الشاى مع عم سيد فبكيت انى لست مثله

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.