الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

رمضان والعائلة وفانوس علاء الدين

ارتبط رمضان في كل البلاد بطقوس مختلفة وباحتفالات لها خصوصيتها وبشئ من الروحانيات التي تخاطب الافئدة وترقق النفوس وتستجلي الخير فيما تبقي من ادميتنا...هو فرحة استقبال العائد وبهجة لمن توقف عن الفجور عند التخاصم وفرصة لتلاحم البشر وتلاقي الرحم ومجافاة القطيعة.
منذ ايام افطرت في مندرة العائلة وهي مكان يتسع لاستقبال الاف من الزائرين...عائلتنا تنقسم الي ستة افرع..كل فرع مسئول عن الاستضافة خمس ايام حيث يقدم الفطور لكل من اتي وتصلي التراويح ..و تقرا التواشيح ويرتل القران ويجتمع الكبار والصغار.
مازال لرمضان روعته ولكنه تغير بعض الشئ....لاحظت اختلاف الزمن وتغير الاجيال وتبدل القيم.
اذكر عندما كنا صغارا كنا ندخل المساجد وفي النفس رهبة وخشية من جلال المكان..كنا نجلس في الصفوف الخلفية..اطفالنا الان يدخلونها نعم ولكن هيبة المكان توارت وروعة الانصات اختفت..بل كثيرا ما تشعر بان هنالك اكروبات تتم في الخلف والامام من جراء ما يفعلون اثناء الركوع والسجود.في المندرة كنا نقف بلا استثناء كلما مر امامنا من هو اكبر سنا..شئ تغير فيهم وفي الكبار..عندما يتلي القران كنا نستشعر السكينة ونتفقد الغائب ونزاور المريض و نستحضر القصص التي مضت.
كثيرا ما كنا نحكي تاريخ العائلة وكيف استطاعت دون غيرها ان تحتفظ بذاكرة من مروا عليها من رجالات تركوا خلفهم باقة تقدير يليهم وكيف انهم استطاعوا ان يجنبوا العائلة تلك الصدامات التي كانت تساور عائلات كثيرة ..لا اذكر اننا تصارعنا مع عائلات حولنا بفضل من رحلوا ...عائلتنا واحدة من العائلا الاكثر عددا والاقل مشاكل والاكثر ارضا زراعية..رغم ما يظنه البعض ثراء الا ان ابناء الغائلة لم يحصلوا يوما علي القدر الكافي من الرفاهية..تعلمو من كبارهم بان اليوم لك والغد عليك وعليك ان تساير الحياة وتصنع ما فعله يوسف عليه السلام في السنوات العجاف..اتذكر اننا جميعا كنا نعمل بايدينا رغم ان كل فرع في العائلة كان له عماله الخاصين به الذين لا يجوز لهم الانتقال لفرع الاخر..هؤلاء كانت لهم اقامتهم في بيوت خاصة بهم من قبل العائلة.. يعاملون كاهل بيت ولا يجرؤ احد الاساءة لاي منهم لكنهم كانوا يتقاضون فقط ما يملا بطونهم ويغطي اجسادهم ويكفي لحياة هادئة بعيدا عن الادخار..مضي هؤلاء وتغير الزمن ....بل بقي المكان وتغيرت الطباع..رايت البعض واثناء تلاوة القران وقد اتخذ زاوية للعب الشطرنج مع اخر ورايت غيرهم ممسكين باللابتوب..حتي ان الشيشة التي كان محرم دخولها مكان الضيافة صارت جزءا من مراسم تكريم الضيف...تعلمنا ان تكون المندرة والمسجد صنوان...زاد رواد المندرة وتغيرت وجوهم التي كانت الشمس تكوي جباهم بعد عملهم اليومي ..غالبيتهم اجروا الارض الزراعية التي لم تعد تدر دخلا كما كانت حتي ان احدهم لم يجد العام المضي من يشتري اقطانه فقرر تحويلها الي مراتب للنوم عليها..هجروا مزارعهم ليس كفرا بها وانما هروبا من معاناتهم الدائمة من قلة الماء وغلاء السماد وغياب الايدي التي شققتها الارض يوما.
راعتني الاضواء الكثيرة التي ملات جنبات المندرة وظلمة تلك الحوارات التي كنت اسمعها صامتا عن الزئبق الاحمر والاثار واحلام اليقظة التي تجددت مع كثرة الفوانيس التي انتشرت في المكان وكانهم ينتظرون احدهم يتجلي في لحظة ليصبح فانوس علاء الدين. تغيرت عائلة زيدان ..كما تغير الكثير في حياتنا.

هناك 4 تعليقات:

اميرة بهي الدين يقول...

هذا حال الدنيا للاسف ، لاتبقي علي حالها
لم تتغير عائله زيدان وحدها ، بل تغيرت كل العائلات ، وصرنا نحن جيلنا بقايا العهد المنصرم الذي كان وكان جميلا من وجهه نظرنا ودخل الشباب بصخبهم وحيويتهم وتمردهم حتي علي الجميل من وجه نظرنا ، صاروا هم الحيويه وصرنا نحن الحواديت ....
كل سنه وعائلتك وكل العائلات بخير وسلامه

غير معرف يقول...

علق عليها /طلعت زيدان

للأسف نعم للأسف أقولها دوما أن الماضى افضل بكثير ، ليس فى عائلتنا فقط وانما هى مقتضيات كل جيل ومتغيرات كل عصر ، ان الواقع الانسانى يفرض - حقيقة - ان يتمرد كل جيل على سابقيه وربما كان لذلك حسناته كما كان له مساوئه،فالجيل السابق تميز بقيمه الرائعة وحفاظه على ادق العادات والتقاليد حتى انى لأعلم عن شباب كانو
مر من هم اكبر سنا يدسون بالسجائر داخل جيوبهم خجلا وتقديرا نعم اعلم ذلك كما اننى اعلم انهم كانو اكثر منا تعقلا وفهما للأمور ويتضح ذلك من خلال تعاملهم مع المشاكل ،، لكن لكل جيل حساباته ورصيده من القيم والمثل والفضائل ،، لا تنسى يا سيدى أن هذا الجيل المعاصر لم ينل حظه من الاخلاق فهو مستهدف ،، وهو تحت عدة مجاهر ترصده ،،ان التلفاز والانترنت والغزو الفكرى ،بل والسينمات والمسارح صارت وبالا على هذا الجيل رغم انها من مقومات الحضارة هذه الحرب لم تشهدها الاجيال الماضية ..
وصدقنى ،، ان الخير لازال فى الشباب ،، فقط ينقصه ان نقترب منه ، ونفهم مشاكله ،، نحاوره عندها فقط يحدث التواصل وتكتمل الصورة ليصير هذا الشباب امتدادا لسلفه .
دمت طيبا

غير معرف يقول...

طلعت زيدان

(عندما تنسجم الطبيعة مع القلم)

كل الفنون جنون كما يقولون ، واروع حالات الجنون هى المفاجأة ، نعم فحين يفاجئنا الفنان فى كل مرة بما يعلق أعيننا للنهاية ،فقد نجح فى جنونه ،ان المتأمل فى كتابات الاديب / عبدالهادى زيدان سوف يجد جنون الحرف ولعبة الاسلوب وروعة الطرح مع حلة بهية من البساطة والتى أرجح انه استقاها من الطبيعة التى تشرب نسماتها .. عبدالهادى زيدان ذلك الطموح المسافر بلا نهاية وتلك الاجنحة التى تخفق دوما بلا كلل او ملل فى سماء النفس ، ، لتحمل فى طياتها هموم البسطاء ،

الطبيعة فعلت كل ذلك؟؟ قد يكون ......... ان نشأة شخصيتنا الجميلة كانت ولا زالت تدمج بكافة حدودها وابعادها مع الطبيعة ،، وأنت تقرأ تحس بهدوء القرية ليلا الا من بعض الاصوات الخافتة وبقايا العائدين الى الديار ،، وانت تمسك بأوراق الاشجار الوارفة الظلال وانت تتطلع امام ناظريك الى ملامح البسطاء من اهل القرية ،، ناهيك عن سحر الطبيعة المحيطة ........كل تلك الطقوس هى عمق اديبنا والتى تحرك قلمه دوما ليصور لنا تلك المشاهد بل اننى لا اكون مبالغا حين اقول ان زيدان قد رصد انفاس اهل القرية وخفقاتهم ،،،،،،، وهذا هو مفتاح شخصيته الادبية ،، دعونا نقول ان زيدان فى اعماله هو نفسه محمود مختار فى روعته والرابط بين الاثنين هو انهما من نتاج الطبيعة الاصيلة التى تولد فى النفس خيوط العبقرية ،، بل ربما الكتابات الادبية مقامها اصعب لانها مغامرة لا تقبل التحايل او الوساطة ، فالاديب سلاحه القلم وسطوره هى ساحة معركته،،،

حيا الله زيدان

OPTIMESTIC يقول...

راعتني الاضواء الكثيرة التي ملات جنبات المندرة وظلمة تلك الحوارات التي كنت اسمعها صامتا عن الزئبق الاحمر والاثار واحلام اليقظة

صديقي الكبير ,,, كم استمتعت بحكايا عائلتكم الكريمة التي تكررت امامي ما يقرب من ألف مرة ,,,

تغيرت الدنيا فمابال العائلة الطيبة ,, !! ,, تكسرت أشياء و بنيت أخرى ,,, لكنّها مازالت طيبة ,,,,

كل سنة و انت طيب ,,, :)